فاز الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في البرازيل، بعد أن تغلّب على منافسه اليميني جايير بولسونارو الذي شغل منصب الرئاسة منذ عام 2019، بعد أن حصل دا سيلفا على 50.9٪‏ من الأصوات مقابل 49.1٪‏ لمنافسه. وكان دا سيلفا قد انتُخب رئيساً لولايتين متتاليتين (2003-2011). وفي عام 2017 أصدر القضاء البرازيلي حكماً بسجنه 9 سنوات و6 أشهر بتهمة الفساد وغسيل الأموال. غير أن المحكمة العليا ألغت قرار إدانته لاحقاً ومن ثم أُطلق سراحه في 2019 وسُمِح له بخوض الانتخابات الرئاسية.
ولا شك في أن الاستقطاب السياسي الحاد بين معسكر اليمين الذي يمثله بولسونارو ومعسكر اليسار بزعامة دا سيلفا، والفارق الضئيل بينهما في نسبة الأصوات التي حصل عليها كل منهما، وصمْتَ المرشح الخاسر لثلاثة أيام.. كل ذلك شجّع أنصار الأخير على الاحتجاج ضد النتائج، حيث قام سائقو الشاحنات، الذين يُعتقد أنهم يعبّرون عن مصالح كبار رجال الأعمال المتضررين من عودة اليسار للحكم، بإغلاق أهم الطرقات، لإحداث حالة من الشلل الاقتصادي في البلاد. ولا يقل أهميةً عن ذلك ما تفوه به المحتجون من اعتراضات على تطورات سابقة على إجراء الانتخابات بكثير، كإثارة موضوع تبرئة دا سيلفا دون وجه حق كجزء من مؤامرة لإعادة اليسار للحكم. غير أن الأخطر من ذلك كله كان احتشاد الآلاف من أنصار بولسونارو أمام مقار قيادة الجيش البرازيلي في مدن ساوباولو وبرازيليا وريو دي جانيرو داعين إلى تدخل الجيش، حيث هتف الآلاف بشعارات مثل: «تدخل فيدرالي على الفور»، و«مقاومة مدنية».
وقد أعادت هذه الأحداث إلى الأذهان ما حدث في أعقاب هزيمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، حيث رفض الاعتراف بالهزيمة، وأطلق اتهامات بتزوير النتائج، بل وسعى جاهداً لحث بعض المسؤولين عن الانتخابات على التلاعب بنتائجها، كما قدّم محامو أنصاره عدداً وفيراً من الطعون في النتائج رُفِضَت جميعُها.. غير أن الأخطر من هذا كله كان تغريدته التي دعا فيها، بتاريخ 29 ديسمبر 2020، إلى المشاركة في اجتماع كبير في واشنطن للاحتجاج على نتيجة الانتخابات، والتي اعتُبرت تحريضاً على أحداث اقتحام الكونجرس الأميركي في 6 يناير2021، وهو ذات يوم اجتماعه للتصديق على نتيجة الانتخابات. وقد مثلت هذه الأحداث سابقةً هي الأولى من نوعها، واعتُبرت يوم انتكاسة للديمقراطية الأميركية، بل وللديمقراطية على وجه العموم. ولحسن الحظ فإن الأوضاع في البرازيل لم تتطور حتى الآن على النحو ذاته، فبعد ثلاثة أيام من الصمت على التحركات التي رفعت شعارات انقلابية، تحدث بولسونارو وأكد التزامه بالدستور، وإن لم يعترف صراحةً بهزيمته أو يهنِّئ دا سيلفا بالفوز، كما أنه أرجع الاحتجاجات إلى الغضب والشعور بالغبن في الاستحقاق الرئاسي. وفضلًا عن أنه بهذا التصريح أعطى مبرراً للاحتجاجات فإنه لم يحث أنصاره على وقفها وإنما طالب بأن تكون سلمية وألا تسبب أضراراً. وهو ما يجعل سيناريو استمرار الاحتجاجات أو تكرارها مطروحاً، بغض النظر عن عنفها أو سلميتها. ومع ذلك فقد تم بالتأكيد تجنب احتمالات حدوث أزمة سياسية طاحنة، بالتصريح الذي أدلى به مدير مكتبه فور انتهاء بولسونارو من كلمته، ومفاده أنه أعطى الإذن للبدء في عملية انتقال السلطة. غير أن الاحتقان السياسي الحاد بين اليمين واليسار، وانقسام المجتمع البرازيلي مناصفةً بين المعسكرين، كما أوضحت نتائج الانتخابات، لا يبشر بمدة رئاسية سلسة بالنسبة للرئيس الجديد. فهل يتمكن دا سيلفا من اجتياز الأزمة؟ وهل تصمد القيم الديمقراطية فيها؟ أم أن الانتخابات الرئاسية البرازيلية الأخيرة ستمثل إضافةً جديدة لأزمة الديمقراطية التي تبدو عاجزة عن تقديم حلول لما تواجهه المجتمعات المنقسمة؟