أعلنت روسيا عودتها مجدداً لاتفاق تصدير الحبوب، يوم الأربعاء الماضي، بعد أن تلقت ضمانات خطية من أوكرانيا تؤكد عدم استخدامها الممرَّ المائي في تنفيذ عمليات عسكرية ضد روسيا.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «نحن نحتفظ بحق الانسحاب من هذا الاتفاق إذا انتهك الأوكرانيون تلك الضمانات». وفي المقابل اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الروسَ بـ«الابتزاز»، وقال: «إذا لم تكن هناك هجمات روسية على أوكرانيا، فإنه لن يكون هناك حتى أدنى تهديد بحدوث أزمة غذاء عالمية».

فما هي ضمانات استمرار اتفاق الحبوب بين تركيا وكل من أوكرانيا وروسيا للعالم؟ لقد أدت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى تعطيل شبه كامل للاقتصاد الأوكراني، كما أدت عرقلة الملاحة في البحر الأسود إلى تعطيل صادرات الحبوب الأوكرانية، كما أثّرت العقوبات الغربية على روسيا حيث أعاقت العقوباتُ الاستثمارات وتبادل السلع والخدمات بين روسيا ودول العالم.

ولعل التأثير المباشر للحرب كان على في إمدادات الغذاء العالمية، حيث توفر كل من روسيا وأوكرانيا نحو 30 في المائة من صادرات القمح العالمية، مما سيؤدي بالمجمل لارتفاع أسعار الغذاء العالمية التي تعاني أساساً موجةَ غلاء بعد أزمة كورونا. وستواجه كلُّ الدول مصاعبَ في توفير إمدادات الحبوب خاصة الدول منخفضة الدخل. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حالةَ الأمن الغذائي في العالم بـ«المأساوية».

وأعلنت روسيا تعليقَ «صفقة الحبوب» بعد هجوم القوات الأوكرانية على الأسطول الروسي في البحر الأسود بشبه جزيرة القرم، وأعلنت وزارة الزراعة الروسية، ومن أجل منع وقوع كارثة إنسانية، أنها على استعداد للتعويض عن الحبوب الأوكرانية بالكامل، وتسليم ما يصل إلى 500 ألف طن من الحبوب إلى أفقر البلدان مجاناً في الأشهر الأربعة المقبلة.

وكانت روسيا وأوكرانيا قد وقّعتا في إسطنبول على اتفاقية برعاية الأمم المتحدة وتركيا، بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة في المفاوضات التي سبقت الاتفاق، للأهمية الإنسانية لهذا الاتفاق، والذي يتيح لأوكرانيا إعادةَ فتح موانئها على البحر الأسود من أجل تصدير الحبوب، بعد مضي خمسة أشهر من الحصار الروسي لهذه الموانئ، ما حال دون تصدير ملايين الأطنان من الحبوب وزيوت دوار الشمس، والتي شهدت ارتفاعاً حاداً في الأسواق العالمية.

وسمحت الصفقة بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب العالقة في أوكرانيا بسبب الحرب، حيث نص الاتفاق على إنشاء ممرات آمنة للسماح بإبحار السفن التجارية في البحر الأسود، وتصدير ما بين 20 و25 مليون طن من الحبوب. وبموجب الاتفاق أيضاً تبحر السفنُ المحملةُ بالحبوب عبر مسار آمن قبل أن يتم تفتيشها من قبل فريق تنسيق خاص في تركيا، ثم الاتجاه إلى مضيق البوسفور. كما سمح الاتفاق الذي ينتهي في 19 نوفمبر الجاري ويمكن تجديده باتفاق آخر بين الأطراف، بتصدير 10 ملايين طن من الحبوب ومنتجات زراعية أخرى منذ الأول من أغسطس، ما خفف من أزمة الغذاء العالمية التي سببتها الحربُ في أوكرانيا.

وتشكل الحربُ الروسيةُ الأوكرانيةُ أولا، والعقوبات المفروضة على روسيا ثانياً، تحدياتٍ ومصاعبَ في نقل السلع من وإلى موانئ البحر الأسود والموانئ الروسية إلى دول العالَم. ويشكل اتفاق الحبوب مخرجاً مؤقتاً لأزمة الغذاء المتفاقمة أصلا منذ أزمة كورونا، لكن الحقيقة أنه لا توجد ضمانات دائمة لاتفاق قابل للتعليق من أي طرف من أطرافه، فهو اتفاق مرهون بمصالح ورغبات أطرافه في الوفاء بالتزاماتهم، لذا فالضمانة الوحيدة لاستمرار إمدادات الغذاء لدول العالم هي إنهاء الحرب.

*كاتبة إماراتية