الفساد والإرهاب كالآفة التي تنشر الخراب والفوضى وتقضي على المجتمعات من الداخل. وتواجه الهند والبلدان المجاورة لها تهديد الإرهاب الذي لا يحدق باستقرار جنوب آسيا فحسب وإنما بغرب آسيا أيضاً، والذي يمكنه أن ينسف العيش السلمي والتعايش بين دول المنطقة.

وتُعد معالجة مشكلة الإرهاب موضوعاً في غاية الأهمية بالنسبة للهند، ذلك أن البلد الجنوب آسيوي اكتوى بنار الإرهاب لسنوات عدة. ولهذا يسعى للعب دور قيادي في التعاطي مع مشكلة الإرهاب ولأن يكون صوت الدول النامية في المحافل والمنتديات متعددة الجوانب. وفي السنوات الأخيرة، حققت الحكومة الهندية نجاحاً في رصد عدد من الهجمات الإرهابية وإحباطها.

ومن العوامل التي ساهمت في هذا النجاح تقاسم المعلومات الاستخباراتية بين الهند وبلدان أخرى، خاصة الولايات المتحدة وكل بلدان الخليج العربي تقريباً، والتي ساعدت على رصد الإرهاب بشكل أفضل. وفي الدورة التسعين للجمعية العامة للإنتربول، التي عقدت في نيودلهي الأسبوعي الماضي، أبرز وزير الداخلية الهندي الحاجة إلى إنشاء شبكة اتصالات مختصة لوكالات محاربة الإرهاب ومحاربة المخدرات في العالم قصد معالجة معضلة الإرهاب وتجارة المخدرات. ويُنظر إلى تجارة المخدرات على أنها تلعب دوراً مهماً في تمويل الإرهاب.

ولهذا، التزمت الهند بدعم الإنتربول في إنشاء مركز أو مؤتمر لهذا الغرض. ويشمل ذلك «خطاً لتبادل المعلومات في الزمن الحقيقي» بين وكالات محاربة الإرهاب في كل البلدان الأعضاء ومثله للمخدرات. ويأتي هذا في وقت تعززت فيه مكانة الهند عالمياً باعتبارها واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. ومما لا شك فيه أن حي الهند يعاني أيضاً من مشكلة الإرهاب. ذلك أن أفغانستان وباكستان والمالديف وبنغلاديش وسريلانكا تضررت أيضاً من الإرهاب.

ففي أفغانستان، على سبيل المثال، واصل فرع «داعش» في المنطقة، «تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان»، تنفيذ الهجمات. وفي الهند، نفذت تنظيمات إرهابية كبيرة بأسماء مختلفة مثل «عسكر طيبة» و«جيش محمد» و«حزب المجاهدين» و«القاعدة في شبه القارة الهندية» هجمات في السابق في أجزاء عدة من البلاد.

وقد اتخذت الحكومة الهندية سلسلة من التدابير للقضاء على تهديد الإرهاب، شملت إنشاء قاعدة بيانات وطنية للجرائم مثل الإرهاب والمخدرات والجرائم الاقتصادية، كما أسست «الجامعة الوطنية لعلوم الطب الجنائي». وضمن جهودها الرامية للعب دور طلائعي في معالجة هذه المشكلة، اقترحت الهند أيضاً مبادرات عالمية. ففي 2020، اقترحت نيودلهي تمرينات لمحاربة الإرهاب مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان في إطار «المنتدى الأمني الرباعي».

ولئن كان عدد الحوادث الإرهابية الكبيرة في البلاد قد تقلص بشكل كبير، فإنه ما زالت هناك مخاوف من استيقاظ خلايا إرهابية نائمة قد تقوم في أي وقت ببث الذعر واستهداف الوحدة والتعايش السلمي لأكثر من 1.3 مليار نسمة. وتماشياً مع الجهود الرامية إلى لعب دور نشط في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، استضافت الهند الأسبوع الماضي أيضاً اجتماع لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي في فندق «تاج بالاس» في مومباي الذي استهدفته هجمات إرهابية في 2008، حيث هاجم إرهابيون مواقع عدة من الفندق، ما أسفر عن مقتل 164 شخصاً.

وهذه هي المرة الأولى التي يعقد فيه اجتماع للجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن في الهند والذي ركز على «التكنولوجيات الجديدة والناشئة» لمحاربة الإرهاب. وفيه أبرزت الهند، الحريصة على الاضطلاع بدور قيادي في هذا المجال، كيف أن التكنولوجيا أخذت تعيد تشكيل ملامح الإرهاب الدولي. وإلى ذلك، أعلنت الهند اعتزامها القيام بمساهمة طوعية بمبلغ نصف مليون دولار إلى «صندوق الأمم المتحدة الاستئماني لمكافحة الإرهاب» هذا العام. وأبرز وزير الخارجية الهندي أهمية الجهود العالمية لمنع إمكانية الاستخدام السيء للرسائل المشفرة والعملات المشفرة من قبل «لاعبين من غير الدول». كما شكّلت المخاوف بشأن استخدام تكنولوجيات جديدة وناشئة لأهداف إرهابية جزءاً محورياً من «إعلان دلهي» الذي تم تبنيه في ختام الاجتماع.

ولفت وزير الخارجية الهندي خلال الاجتماع الدولي إلى أن تهديد الإرهاب العالمي ما فتئ ينمو ويتوسع، ولاسيما في آسيا وأفريقيا، على الرغم من الجهود التي يبذلها مجلس الأمن الدولي من أجل مكافحة «أخطر تهديد تواجهه البشرية». غير أنه من بين أكبر التحديات التي تواجهها جهود معالجة معضلة الإرهاب العالمي هو الاتفاق على تعريف للإرهاب. فالهند تؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك إرهاب جيد وآخر سيء، وذلك في رد ضمني على من يذهبون إلى أن إرهابياً في نظر هذا الشخص، هو مقاتل من أجل الحرية في نظر آخر. وهو ما حال دون إدراج إرهابيين ضمن قائمة الأمم المتحدة على سبيل المثال.

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي.