بعد ما يقرب من عامين من الصراع المسلح في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، تخللتهما هدنة إنسانية لمدة خمسة أشهر تم اختراقها، أيقنت الأطراف المتحاربة أن استمرار الصراع لا يقود إلى سبيل، غير سبيل التدمير الذاتي للقدرات القومية للشعبين الإثيوبي والتيغراي.

ومن الصحيح أنه منذ استئناف الجولة الحالية من الصراع، في أغسطس المنصرم، حققت القوات الإثيوبية، ونظيراتها الإريترية المتحالفة معها، تقدماً معتبراً بالسيطرة على عدة بلدات كبرى في تيغراي، فإن الحرب هناك كانت سجالاً.

ولنتذكر كيف تقدمت قوات «جبهة تحرير شعب تيغراي» تقدماً كبيراً في نوفمبر 2021، وكانت تزحف هي وحلفاؤها في «جيش تحرير أورومو» نحو العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا. وقد أخذ الوضع، منذ تجدد القتال عقب انهيار الهدنة، «يخرج عن نطاق السيطرة»، كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بحقٍّ منذ أيام، وأيقن المتحاربون أن الحل العسكري لنزاعهم المعقد والمركب لن يجدي نفعاً.

ومن المفارقات أن الحرب تدور بين حلفاء الأمس في «الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية» الإثيوبية سابقاً (الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو بزعامة آبي أحمد، وجبهة تحرير تيغراي)، والأخيرة هيمنت على الحكم والسياسة في إثيوبيا لمدة 27 عاماً من عام 1991 وحتى تولي آبي أحمد رئاسة الحكومة عام 2018.

ويذكر أن رئيس الوزراء أسس حزباً جديداً عام 2019، هو حزب الازدهار، ليكون حاضنة سياسية جديدة بدلاً عن الجبهة الثورية، وائتلافاً سياسياً عابراً للعرقيات بين كيانات متعددة.

وفي هذا السياق، وفي ضوء حجم الخسائر البشرية والمادية الفادحة الناجمة عن الصراع في تيغراي، ووساطة الاتحاد الأفريقي، والمساعي الحميدة التي بذلتها أطراف دولية وإقليمية، قَبِل أطراف الصراع الجلوس إلى مائدة المفاوضات في 24 أكتوبر الجاري.

وليس معلوماً الكثير عن المفاوضات الجارية في بريتوريا بجنوب أفريقيا، بوساطة الاتحاد الأفريقي ومراقبة الأمم المتحدة والولايات المتحدة، فأجندة المفاوضات، ومطالب الأطراف المتفاوضة، ومقترحات الوسيط الأفريقي، ومدى التقدم في المحادثات التي مازالت مستمرة منذ أسبوع - كلها غير معلومة.

أضف إلى ذلك أن أحد أطراف الصراع الرئيسيين (إريتريا) غير مدرجٍ في المحادثات، برغم اقتراح المبعوث الأفريقي أولوسون أوباسنجو بإدراجها، من باب الواقعية السياسية.بيد أن الآمال معقودة على استعداد طرفي الحرب الرئيسيَّيْن، وقدرة الوسيط الأفريقي، وحنكة الحكماء الثلاثة (الرئيس النيجيري السابق أوباسنجو، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، ونائبة رئيس جنوب أفريقيا سابقًا فومزيلي ملامبو)، والضغوط والتحفيزات الدولية والإقليمية لإنهاء الصراع في تيغراي، حتى لا يتحول إلى صراع إثني ممتد يأكل الأخضر واليابس في هذه الدولة الأفريقية المحورية، وإلى ثقبٍ أسود في القارة بأكملها.

ومن المرجح أن تأخذ العملية السلمية وقتاً طويلاً، وأن تأخذ عملية بناء السلام في إثيوبيا وقتاً أطول. ولكن إرادة تحقيق السلام لدى الحكومة الإثيوبية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية لسكان إقليم تيغراي والاهتمام بتنميته، والشروع في تبني استراتيجية لبناء الأمة في إثيوبيا - كل ذلك سوف يُسهم في استدامة أية تسوية سلمية يتوصل إليها المفاوضون في بريتوريا.

مركز تريندز للبحوث والاستشارات