رغم أن الزيارة الأخيرة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لروسيا لم تكن الأولى، ولا كان لقاؤه الأول برئيسها، فقد اكتسبت هذه الزيارةُ دلالةً خاصة لاعتبارات بروتوكولية وموضوعية.

فمن الناحية البروتوكولية كانت الزيارة الأولى لصاحب السمو إلى روسيا بعد توليه رئاسة الدولة، كما أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها زعيم عربي لروسيا بعد تفجر الأزمة الأوكرانية. أما من الناحية الموضوعية، فقد جرت الزيارةُ في لحظة تتسم باحتقان وتصعيد غير مسبوق في الصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، ولذا فقد جاءت الزيارة لتكون نموذجاً للسياسات المستقلة التي لا تُبنى على رغبات الآخرين وإنما على الحسابات الوطنية. ومَن يتابع السياسةَ الخارجية لدولة الإمارات يعرف أن هذا هو خطها الثابت، ويكفي أن نُذَكّر بسياسة الانفتاح على القوى الإقليمية سعياً لتحقيق الأمن والسلم في المنطقة، والموقف الاستقلالي تجاه القوى العظمى، كما في تعليق المناقشات في ديسمبر2021 بشأن صفقة شراء طائرات «إف 35» الأميركية واستبدال طائرات رافال الفرنسية بها، والرفض الصريح للمحاور قبيل قمة جدة الأخيرة، والموقف الرشيد من قضية الطاقة وآخر تجلياته قرار «أوبك+» الأخير بتخفيض الإنتاج تحقيقاً لاستقرار سوق الطاقة العالمي.

لكن هذه السياسات والمواقف الاستقلالية المتوازنة لا تروق لدوائر دولية ما زالت تنظر للسياسة الدولية وتفاعلاتها بعقلية الحرب الباردة، بحيث تعتبر تلك السياسات والمواقف دائماً وكأنها موجهة لها وليس باعتبارها مبنية على حسابات رشيدة تطابق المصالحَ الوطنيةَ لأصحابها! وتتغافل هذه النظرة القاصرة عن أمرين؛ أولهما أن الدول ذات النزوع الاستقلالي باتت تملك، منفردةً ومجتمعةً، من المقومات ما يمكّنها من اتخاذ القرارات المستقلة الضرورية لحماية مصالحها الوطنية، والثاني أن قمة النظام العالمي لم تعد ذات طبيعة احتكارية تسيطر عليها قوة عظمى واحدة كما كان الحال حتى العقد الأول من القرن الحالي، وإنما تعددت مراكز القوى الدولية على نحو يساعد في نجاح الدول ذات التوجهات الاستقلالية في اتباع ما تراه ضرورياً من سياسات واتخاذ ما تراه مناسباً من قرارات لتحقيق مصالحها الوطنية الحيوية.

وفي ذلك الإطار، اجتمع الزعيمان لمناقشة قضايا بالغة الحيوية شملت العلاقات الثنائية، وكيف تطورت بوضوح منذ توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا في يونيو 2018، وآفاق تطويرها المستقبلية، وتطرقا إلى قضية الطاقة الملحة التي تؤرق العالم حالياً. وكان واضحاً توافق الرؤى بين الزعيمين حول السياسات الواجب اتباعها لتحقيق مصالح المنتجين والمستهلكين معاً وتأمين الاستقرار في سوق الطاقة. وأخيراً، ناقش الزعيمان القضية التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وهي الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث أشاد الزعيم الروسي بالجهود الإماراتية الدؤوبة في إطار هذه القضية، سواء في مجال تبادل الأسرى بين الجانبين أو البحث عن أفضل السبل للتوصل لتسوية سياسية لإنهاء الصراع. وسوف تُذكر هذه الزيارة باعتبارها دليلاً قاطعاً على سياسة خارجية مستقلة لدولة فتية.