جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لروسيا يوم الثلاثاء الماضي، في ظل متغيرين مهمين؛ أولهما تصعيدٌ غيرُ مسبوق في الحرب الأوكرانية المستمرة منذ ثمانية أشهر، وصولاً للحديث عن مواجهة نووية، حيث أكدت دولة الإمارات أن الزيارةَ تأتي دعماً للجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي للأزمة الأوكرانية. أما المتغير الثاني، فقرار تاريخي لتحالف «أوبك+» الذي يضم دولَ منظمة «أوبك» ومنتجين من خارجها، بينهم روسيا، خفضَ الإنتاج اليومي، ما اعتُبر ضربةً مفاجئةً للإدارة الأميركية الحالية. 


لقد ساهم «انسحاب» الولايات المتحدة من الشرق الأوسط في إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، في الوقت الذي برزت فيه روسيا كلاعب رئيسي في الديناميكيات الإقليمية، خاصة على الساحتين السورية والليبية، وتوافقت أجندة السياسة الخارجية لدولة الإمارات مع السياسة الروسية في مناطق التماس الشرق أوسطية، خاصة على الساحتين السورية والليبية. كذلك كان الاقتصاد وقطاعَا الطاقة والدفاع مسرحاً لبناء التوافقات الإماراتية الروسية لسنوات.

ومثّلت الحربُ الروسية الأوكرانيةُ فرصةً وتحدياً في آنٍ معاً، ففي ظل العقوبات المتتالية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا، تحتاج الأخيرة إلى منفذ سياسي واقتصادي لتخفيف آثار العقوبات، وهو ما يشكّل فرصةً سياسية واقتصادية أحسنت الإماراتُ استثمارَها عبر تطوير علاقاتها السياسية مع روسيا وتعظيم التعاون الاقتصادي والعسكري وتوثيق التحالف الاستراتيجي في المنطقة.

لقد كان موقف الإمارات من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا موقفاً واقعياً سليماً، رغم عمق التحالف الإماراتي الأميركي. ولم يخضع هذا الموقف لأي ضغوط، بل كان استجابةً للمصالح الاستراتيجية للدولة في موقفها من طرفي الحرب؛ لذلك لم تتخذ الإمارات مواقفَ حديةً تجاه ما يحدث.

واستمرت العلاقاتُ الإماراتية الروسية في تطورها، مع التأكيد على دعم الجهود الدبلوماسية التي تخدم جميعَ الأطراف وتحقق السلامَ والاستقرار في العالَم.  ومن ناحية أخرى، شكَّل قرار منظمة «أوبك+»،  خلال اجتماعها في الخامس من أكتوبر الجاري في فيينا، حول خفض الإنتاج بمقدار مليوني  برميل اعتباراً من مطلع  نوفمبر القادم، صدمةً للإدارة الأميركية، حيث تجاهلت دولُ «أوبك+» الضغوطَ الأميركية والأوروبية لحثها على التصويت ضد خفض إنتاج النفط. وأثار قرارُ الخفض حالةً من الغضب في واشنطن نظراً لما له من تداعيات سياسية واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها والدول المستهلكة للنفط، حيث وُجه الاتهامُ لروسيا باستخدام إمدادات الطاقة كسلاح في المواجهة الدائرة حول أوكرانيا!

كما شكّل توقيتُ قرار خفض الإنتاج إحراجاً لإدارة الرئيس بايدن قبل شهر تقريباً من موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي، وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قرارات «أوبك+» تستهدف استقرارَ أسواق الطاقة العالمية وليست موجهةً ضد أي بلد. 
وكانت زيارةُ رئيس الدولة لروسيا، المهمةُ في توقيتها ومحتواها، متسقةً مع الدور الذي طالما لعبته الإمارات في السعي لخفض التصعيد العسكري ولتحقيق السلام إقليمياً وعالمياً، ولتجنيب العالَم بوادرَ مواجهة كارثية، وقد أكدت على أولوية المصالح الإماراتية بعيداً عن الضغوط والإملاءات، وأن لدولة الإمارات «خيارات سيادية مستقلة»، كما قال معالي الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة. 

* كاتبة إماراتية