تناولنا في المقال السابق أهمية تطبيق استراتيجية للتعليم المهني أسوة باستراتيجية التعليم العام والعالي التي تطبقها وزارة التربية والتعليم وتلك الأهمية لها أسباب واقعية، أهمها أنه لا يوجد مجتمع حالياً يحتاج فقط خريجي التعليم العام والعالي، بل يؤازرهم ويسير معهم على خط متواز خريجو التعليم والتدريب المهني، وهما أساس التنمية والتطور في تلك المجتمعات، التي تقوم على المعرفة والعلوم والصناعة.

واللافت للنظر أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك قاعدة صناعية قوية ذات بنية تحتية حديثة يقوم على تشغيلها وتطويرها فئة من شباب الوطن المسلحين بالمهارات والقدرات المهنية في العديد من المجالات. وبالتالي فإنه من الضروري التركيز على التعليم المهني وتطبيق الاستراتيجية المناسبة التي تستطيع المساهمة في تحقيق أهداف خطط وبرامج التنمية الوطنية المستقبلية.

ومن المهم لأي استراتيجية للتعليم المهني تقوم على أسس صحيحة وقوية، أن تراعي الخبرات والتعلم المسبق والاعتراف به واعتماده بشهادات رسمية من وزارة التربية والتعليم.

ولكي تتضح الصورة بأسلوب مبسط، لنتخيل أحد المواطنين العاملين لفترة من الزمن استطاع خلالها اكتساب العديد من الخبرات والمهارات واجتياز دورات تدريبية تخصصية عدة وفي وقت ما قرر ترك العمل والالتحاق بوظيفة أخرى.

هنا سيكون المعيار الأساسي في درجة وامتيازات الوظيفة الجديدة المؤهل العلمي، ويتمثل في شهادة الثانوية أو البكالوريوس، والخبرة العملية وهي شي غير محسوس وإنما مذكور في السيرة الذاتية. والوضع الطبيعي أن يتم تسكينه في الوظيفة الجديدة على درجة مناسبة لشهادته العلمية وبشكل تقريبي بناء على خبرته، وبالتالي قد يتلقى عائداً مادياً لا يتناسب مع خبرته ومهاراته والمردود من الدورات التدريبية التي تلقاها في وظيفته السابقة.

وهنا يأتي دور الاعتراف بالتعلم والخبرات والمهارات السابقة رسمياً من وزارة التربية والتعليم، في حال تطبيقه رسمياً بالصورة الصحيحة. في حالة المواطن المذكور أعلاه، سيتم تقييم خبراته ومهاراته والعائد من التدريب الذي حصل عليه في الوظيفة السابقة والاعتراف بها ومعادلتها بدرجة علمية قد تكون في غالب الأحيان أعلى من الشهادة العلمية التي حصل عليها في التعليم العام أو العالي.

والنتيجة حصوله على وظيفة جديدة بدرجة وامتيازات أكبر. فالمقصود هنا الاعتراف بالخبرات والمهارات والقدرات المهنية والدورات التدريبية للمواطنين في مجالات عملهم الحالية أو السابقة واعتمادها بإصدار شهادات تتراوح بين الثانوية المهنية والبكالوريوس التطبيقي والماجستير التطبيقي والدكتوراه التطبيقية، وذلك أسوة بالمعمول به في العديد من الدول المتقدمة التي تعترف وتعتمد التعلم المسبق ويُطلق عليه Recognition of Prior Learning. ولنتخيل هنا حجم الفوائد العملية والمعنوية والمادية في حال تطبيق نظام الاعتراف بالتعلم المسبق للمواطنين.

على الجانب العملي، سوف يساهم هذا الإجراء في التدوير الوظيفي للمواطن في سوق العمل بصورة أسرع وأنجع إضافة إلى استفادة جهات العمل بمختلف الخبرات والقدرات والمهارات المعتمدة رسمياً، والتي جلبها للوظيفة الجديدة. كما سيساعد ذلك النظام جهات العمل على إتاحة المزيد من الوظائف الجديدة علما منهم أن هناك شريحة من المواطنين يمتلكون ما تتطلبه من خبرات ومهارات.

أما على الجانب المعنوي، فالنظام، حال تطبيقه، سوف يشجع المواطن في مقر عمله الحالي على التسلح بمجموعة جديدة من المهارات والخبرات وخوض المزيد من الدورات التدريبية علماً منه أن ما يفعله لن يذهب سدى، بل سيتم تقييمه واعتماده رسمياً. أضف إلى ذلك أن الروح المعنوية الجديدة للمواطن سوف تضخ المزيد من الإنتاجية في مقر عمله الحالي.

أما على الجانب المادي، فسيكون للمواطن الحرية في الانتقال لوظيفة أخرى ذات مردود مادي أكبر أو البقاء في وظيفته الحالية في حال عرضت عليه جهة العمل امتيازات مادية أكبر بسبب تحقق الفوائد العملية والمعنوية المذكورة آنفاً. ذلك هو نظام الاعتراف بالتعلم المسبق الذي نصبو إليه آجلاً وليس عاجلاً، فكم من حلم تحول لواقع في دولة الإمارات العربية المتحدة.

* باحث إماراتي