تدعم الصين التصنيع المحلي في محاولة لتقوية اقتصادها الذي بات واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. هذا الجهد لقي دفعةً قويةً مؤخراً مع إعلان شركة «آبل» عن مخططات لتصنيع أحدث هواتفها، «آيفون 14»، في الهند، في دفعة قوية لطموح القطاع الصناعي الهندي، ما يبرز كيف أن الهند باتت في وضع يؤهلها لجذب واستقطاب الشركات الدولية التي تسعى إلى التنويع عقب الاضطرابات التي نجمت عن جائحة كوفيد 19. ذلك أن الجائحة أكدت، أكثر من أي شيء آخر، على حاجة الشركات إلى تنويع سلاسل توريدها من أجل حماية نفسها، وذلك حتى إذا ما حدثت اضطرابات في المستقبل، فإن هناك سلاسل توريد بديلة قائمة. وبالنسبة لشركة «آبل»، يُعد التصنيع في الهند جزءاً من جهودها الرامية إلى تنويع التصنيع خارج الصين. 
بعض التقارير تشير إلى أن 5 في المئة من هواتف «آيفون» التي تنتجها «آبل» من المتوقع أن تنتقل إلى الهند. وقد سرّعت الشركة مخططاتها للتنويع بوتيرة أعلى مما كان متوقعاً. وتأتي هذه الخطوة في وقت تخرج فيه الهند من اضطرابات الجائحة وتعود إلى مستويات النشاط الاقتصادي والصناعي التي كانت سائدة في مرحلة ما قبل الجائحة. ومن جهة أخرى، طبّقت الصين، التي عرفت زيادة في حالات كوفيد، سياسة صفر كوفيد صارمة؛ إذ عمدت إلى إغلاق مدن ومناطق صناعية للإبقاء على الوباء تحت السيطرة. ومن جهة أخرى، تتعامل الهند مع الوباء باعتباره مسألة ينبغي التعايش معها وعادت إلى الوضع الطبيعي عموماً. وفضلاً عن ذلك، فإن أكثر من 90 في المئة من سكان البلاد ملقَّحون، وهو ما سمح للبلاد بالعودة إلى الحياة الطبيعية. 
تحويل إنتاج شركة «آبل» يحدث أيضاً في وقت يتصاعد فيه التوتر بين الولايات المتحدة والصين على خلفية عدة مشاكل، بما في ذلك تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، ذلك أن الشركات تخشى أن تؤثّر التوترات التجارية والسياسية على شركاتها، مما سرّع الرغبة لديها في التنويع. ولكن السؤال بالطبع هو ما إن كانت الهند تستطيع جذب شركات أكثر. 
والواقع أن الحكومة الهندية اتخذت سلسلة من الإصلاحات من أجل جذب المستثمرين الأجانب، بما في ذلك الإدخال التدريجي لمخططات تحفيز مرتبطة بالإنتاج. هذا الأمر حسّن مناخ الأعمال في ما يتعلق بالهند. ويمكن ملاحظة ذلك على شكل زيادة في الاستثمار الأجنبي في قطاعات مثل التصنيع والإلكترونيات، حيث تعرض الحكومة مخططات تحفيز مرتبطة بالإنتاج تقدِّم حوافز مالية للشركات التي تريد المساهمة في تحويل الهند إلى قطب صناعي. 
وعلى سبيل المثال، تعمل شركة «فيدانتا ريسورسز» حالياً، بتعاون مع عملاق تصنيع الإلكترونيات التايواني «فوكسكون»، على إنشاء مصنع لأشباه الموصلات في الهند. كما سارعت الهند إلى تأمين اتفاقيات تجارية مع عدة بلدان. والبلد الأول بالطبع كان دولة الإمارات العربية المتحدة. ويهدف ذلك إلى تحسين إدماج الاقتصاد الهندي في الاقتصاد العالمي مع تطلع إلى جذب الاستثمارات إلى الهند. 
ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الهندي بسبع في المئة هذا العام، في وقت وصف فيه صندوق النقد الدولي الهند بأنها نقطة مشرقة في الاقتصاد العالمي، البلد الجنوب آسيوي تجاوز المملكة المتحدة ليصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان. وإذا كانت اقتصادات أخرى قد تضررت جراء الاضطرابات الناجمة عن كوفيد 19 متبوعة، ثم حرب أوكرانيا وما صاحب ذلك من خطر ركود عالمي أدى إلى اضطرابات في أمن الغذاء والطاقة، فإن الاقتصاد الهندي المدعوم بتدخلات حكومية، مثل حظر صادرات القمح للإبقاء على التضخم تحت السيطرة وتنامي الصادرات والوصول إلى النفط الرخيص من روسيا، استمر في مساعدة الاقتصاد على التعافي بشكل أسرع من الكثير من البلدان الأخرى. 
قطاع الخدمات شهد انتعاشاً، والنمو المطرد للقطاع الزراعي، إضافة إلى الانتعاش في قطاعات مثل السياحة والبناء، استمر في تحريك الاقتصاد. ومع ذلك، فإن نمو الهند لا يخلو من تحديات، ذلك أنه في الفترة الممتدة من أبريل إلى يونيو، والتي تُعتبر الربع الأول في السنة المالية في الهند، نما الاقتصاد بـ13.5 في المئة، أي أقل من الـ15 في المئة المتوقعة. وعلاوة على ذلك، فإن القاعدة الصناعية الهندية متدنية جداً. كما أن هناك عدداً من المشاكل التي ما زالت موجودة وفي حاجة إلى حل، بما في ذلك مشكلتا الحصول على الأراضي والعراقيل البيروقراطية. وحاليا، تسعى الحكومة إلى حل كل مثل هذه المشاكل عبر تقليص عدد العمليات وفتح شباك وحيد لإنجاز المعاملات في العديد من المجالات. كما أن البنية التحتية قيد التطوير والتحديث أيضاً. 
وفي غضون ذلك، ازدادت السياسة الحمائية في وقت تحاول فيه الحكومة جذب الشركات إلى الهند، إذ رفعت الرسوم الجمركية على 3 آلاف مادة على الأقل في محاولة لتقوية التصنيع المحلي. هذه الاستراتيجية أتت أكلها إلى حد ما في بعض القطاعات. وعلى سبيل المثال، عرفت اللُّعب، التي كانت تُستورد من الصين في السابق، زيادةً في رسوم استيرادها. وباتت تُصنع الآن في الهند ضمن جهود تهدف إلى دعم التصنيع المحلي. ومما لا شك فيه أن الهند مؤهلة في هذه المرحلة لكسب التحدي وإتاحة الفرصة للشركات لتنويع سلاسل توريدها.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي