دبلوماسية الإمارات وحرب أوكرانيا
أحمد الحوسني*
تصعب إدارة العلاقات الدولية في أيام الحرب، وتصعب مقاربَتُها بموضوعية كذلك، أو التعاطي معها من خلال الحياد كوسيلة عقلانية وآمنة للمرور، إذ يُوصَفْ الحيادُ بـ «بحر لا ساحل له»، وهو الوسيلة الناجعة التي اتخذتها دولةُ الإمارات العربية المتحدة حيالَ بعض الصراعات الدولية باعتبارها سلوكاً سياسياً رصيناً ومسؤولاً يتوافق مع «المصلحة الوطنية العليا» كركيزة أساسية تقوم عليها السياسة الخارجية للدولة.

الإبحار في السياسة الدولية يشبه الإبحار في محيط تعمه الأمواج والعواصف والأنواء.. وقد شكَّلت حرب روسيا وأوكرانيا، بكل تعقيداتها «الجيواستراتيجية»، اختباراً لدبلوماسية الإمارات على المستوى الدولي، لكن الإمارات بحنكتها وحصافتها استطاعت اجتياز هذا الاختبار، ونالت رضى المجتمع الدولي قاطبةً بما فيه أطراف الأزمة.

وبحكم مهمتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وعليها تبعاتُ المشاركة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، فقد مارست الإمارات بكل ثقة واقتدار فنَّ الموازنة والمواءمة في التعامل مع أزمة أوكرانيا وفي التعاطي مع بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي.

المقاربة الدبلوماسية الإماراتية إزاء الأزمة الأوكرانية، مستوحاة من توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إذ أكد سموه أن «انتخاب دولة الإمارات العربية المتحدة لعضوية مجلس الأمن الدولي، يجسِّد ثقةَ العالَم بالسياسة الإماراتية، وكفاءةَ منظومتها الدبلوماسية وفاعليتها»، مؤكداً أن «الإمارات ستواصل مسؤوليتَها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية». ولهذا كان موقف الإمارات حساساً، لاعتبارات عدة، لاسيما أنها ترتبط بشراكات قوية مع طرفي الأزمة، أي روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. ولها مع هذه الأطراف مصالح مشتركة ضخمة في مختلف القطاعات والمجالات، مما يتطلب الحفاظ على علاقات متوازنة، وهي مصالح تدخل في حساب صنع القرار السياسي الإماراتي.

وقد تزامن دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية مع تولي الإمارات مسؤولية الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، وبعد شهرين من بدء عضوية الإمارات غير الدائمة في المجلس. لذلك، فإن حرب روسيا وأوكرانيا، بكل تعقيداتها «الجيواستراتيجية»، مثلت اختباراً لدبلوماسية الإمارات على المستوى الدولي، لكن دولة الإمارات بحنكتها وحكمتها الدبلوماسية استطاعت اجتياز هذا الاختبار ونالت رضى المجتمع الدولي.

وبحكم مهمتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن، وكدولة معنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين، فقد مارست دورَها بكل ثقة واقتدار ومسؤولية. وبحكم ثقلها الدولي، وكونُها ثالثَ أكبر منتج للنفط في العالم، وعضواً رئيساً في تحالف «أوبك+»، فقد تصرفت الإمارات بذكاء آخذةً في الاعتبار حساسيةَ أسواق الطاقة الدولية، وضرورةَ الحؤول دون حدوث أي خلاف يهدد التحالف النفطي الأكبر.. وكان هذا الخيارُ أفضلَ تموضع استراتيجي وأمثلَه من أجل الحفاظ على مصالح الإمارات ومصداقيتها الدولية. وقد بدا موقف الإمارات واضحاً ومتميزاً لدى امتناعها، إلى جانب كل من الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أميركي ألباني في مجلس الأمن يدين روسيا ويطالبها بسحب قواتها من أوكرانيا.. وهو موقف بعثَت من خلاله رسالةً قويةً ومعبِّرةً مفادُها أن مصلحتَها الوطنية فوقَ كل اعتبار.

*سفير سابق