ليس هناك شعبان من شعوب دول العالم يمكنهما الادعاء أو القول إنهما «شعب واحد» حقيقة مثل الشعبين الإماراتي والعُماني، فالجذور التاريخية والجغرافية الممتدة بين شعبي البلدين والمرتبطة بالموروث الإنساني الذي شكّل الهوية الثقافية المتجانسة من فنون وآداب وعادات وتقاليد مشتركة بين الشعبين، والتي نجدها حاضرة كلها في الموروث الشفهي والأمثال والمرويات الشعبية، وكذلك في أدبياتها من شعر ونثر وقصة، تبين أن الفسيفساء الإنسانية هي لوحة واحدة معبرة، رُسمت من الآف السنين.

العلاقات الاجتماعية العميقة، بين شعبي دولة الإمارات وسلطنة عُمان، التي نراها على المستوى العائلي والأسري، جعلت من شعبي البلدين لا يشعرون بوجود اختلاف اجتماعي وثقافي، فكثير من الأسر الإماراتية لها أصول وفروع في عُمان، وكذلك فهناك عدد كبير من العائلات والقبائل العُمانية انتقلت للعيش في دولة الإمارات، أو تعيش بين البلدين، لدرجة أنه لا يكاد يمكن تمييز أي فروقات اجتماعية على الإطلاق بين مواطني البلدين.

لوحة الفُسيفساء الإماراتية العُمانية، الاجتماعية والثقافية، حصلت على مراحل كثيرة من الحماية والرعاية على مستوى قيادات البلدين، حيث أدرك المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، والسلطان قابوس بن سعيد «رحمه الله» أهمية عقد لقاء تاريخي في عام 1968 لوضع خطة مستقبلية لتوطيد العلاقات وتعزيزها، والتي تحققت في عام 1971 من خلال التوقيع على العديد من الاتفاقيات الثقافية والتربوية لتطوير مجالات التعاون، وكذلك نذكر الزيارة التاريخية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» إلى سلطنة عُمان في عام 1991 التي أنتجت لجنة عليا مشتركة بين البلدين، واتخاذ قرار بتنقل المواطنين بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية «الهوية» بدلاً من جوازات السفر، وكذلك تشكيل لجنة اقتصادية عليا أجرت العديد من الدراسات لإقامة مجموعة من المشاريع المشتركة.

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله: «الإمارات وعُمان أخوة متجذرة وعلاقات ممتدة لا تزيدها الأيام إلا رسوخاً وقوة ومحبة»، وتؤكد رؤية سموه أن ترسيخ وتعزيز وتعميق العلاقات مع سلطنة عُمان، تمثل أولوية رئيسية لدى قيادة الدولة، حيث يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله: «عُمان منا ونحن منهم، إخوتنا وأشقاؤنا وعضدنا»، والذي يبين مدى خصوصية العلاقات الإماراتية العُمانية وعمقها التاريخي، على وجه التحديد، ويجعل من دولة الإمارات، ليس شريكاً اجتماعياً وثقافياً لسلطنة عُمان فحسب، بل من أهم الشركاء التجاريين للسلطنة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان خلال العام الماضي 46 مليار درهم.

زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى سلطنة عُمان الشقيقة في 28 سبتمبر 2022، والاستقبال الحافل والتاريخي لسموه، وتوقيع عدد كبير من الاتفاقيات في المجالات الحيوية المختلفة والتي تعود بالخير على البلدين الشقيقين، هي معالم وإشارات تؤكد أن العلاقات الإماراتية العُمانية «نموذج عالمي» ليس له مثيل، في منظومة علاقات الدول الشقيقة، والتي تكتسب من خلال الاهتمام والرعاية والعناية الكاملة، من قبل القيادة الحكيمة للبلدين، المزيد من النمو والتطور، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والقائمة على رؤى مستقبلية واعدة، وقائمة أيضاً على حسن الجوار والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وتعزيز العلاقات وازدهار الاقتصاد، وإيجاد آلية مشتركة لتبادل جميع المصالح، وتعظيم الاستفادة من هذه الشراكة النموذجية.

التعاون الإماراتي العُماني بات اليوم، أقوى من أي وقت مضى، في مجال الصناعات المتقدمة، مثل الفضاء والتكنولوجيا الطبية والزراعية والطيران وإنشاء المصانع الذكية، وتنمية فرص الاستثمار المتبادل في التقنيات المتطورة والابتكار، وتطوير منظومة البنية التحتية للجودة في صناعات المستقبل وغيرها، ستسهم حتما في تطوير السياسات والاستراتيجيات، وتبادل الخبرات والمعلومات العلمية والفنية ونتائج البحث والتطوير، وتفعيل المبادرات والمشاريع التكاملية وتسهيل التبادل التجاري بين البلدين، وزيادة الاستثمارات في مختلف المجالات.

وكذلك فإن توقيع مذكرات تفاهم في مجال قطاعات الشباب والثقافة ومجال الطاقة كالنفط والغاز والهيدروجين، وفي قطاع التعليم وفي مجالات البيئة والأمن الغذائي والأبحاث الزراعية، والبحرية، والتعاون في مجال النقل والمواصلات واللوجستيات والنقل البحري ومشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين، والتعاون في تبادل المعلومات المتعلقة بغسل الأموال والجرائم الأصلية المرتبطة بها وتمويل الإرهاب، وغيرها من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، ستعمل بلاشك، على تعزيز وتنمية الاقتصاد الوطني للبلدين، وتوفير الفرص التجارية والاستثمارية، وتعزيز العلاقات الراسخة التي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، بما ينسجم مع رؤى وتوجيهات قيادتنا الرشيدة.

* لواء ركن طيار متقاعد