تتجه الولايات المتحدة لإعادة بناء سياسات جديدة في مجلس الأمن وإعادة تدوير الآراء، وحشد المواقف الخاصة بإعادة تشكيل بنيته للسيطرة على قراره، ومحاولة تحجيم الدورين الصيني والروسي، والسعي بالانفراد بإدارة المشهد في المجلس بدلاً من تصويب مساره في الفترة الراهنة، وهو ما بدا من مجمل التحركات الأميركية في الأمم المتحدة مؤخرا، ومسعاها لبناء مواقف جديدة في إطار دعوتها المكررة لإعادة هيكلة مجلس الأمن بل وعدد من المؤسسات والمنظمات الدولية لفرض هيمنتها السياسية والدبلوماسية، ولتوظيفها في الفترة المقبلة، والوقوف في مواجهة التحديات الجارية في النظام الدولي.

وتتطلب إعادة ترتيب الخيارات والبدائل الأميركية مع توظيف عمل المؤسسات الإقليمية والدولية وبما يخدم السياسة الخارجية الأميركية ويجعلها أداة في يد الولايات المتحدة شأنها شأن المؤسسات المالية ومراكز التجارة الدولية والتي شيدتها الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وبدلاً من أن تبادر الولايات المتحدة لإعادة بناء منظمة دولية جديدة، وعصر جديد من التنظيم الدولي يقوم على القيم والأفكار والسياسات الليبرالية، ومبادئ الحق والإنصاف، والعدل في العالم تسعي لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه مع ابتكار نموذج جديد تسعى الإدارة الأميركية لفرضه على العالم.

والإشكالية الحقيقية ليست في توسيع العضوية، أو القبول بتغيير البنية الراهنة في مجلس الأمن بين دول كبري دائمة العضوية، ودول تتمتع بالعضوية غير الدائمة ويتم تغييرها، وإنما الأمر متعلق بما يتردد أميركياً بأن روسيا ورثت موقعها الدائم من الاتحاد السوفييتي، الذي لم يعد له وجود في الأصل وبات منعدما، وفي ظل استخدامات للفيتو بكثرة، وهو ما تم توظيفه من قبل روسيا، ومن قبل الاتحاد السوفييتي في مقابل عدم استخدام الولايات المتحدة، أو الدول الغربية لهذا الحق كثيراً، وفي مناسبات عديدة، وخاصة في ظل مطالبات من دول أفريقيا للحصول على مقعد دائم وهو ما لم يقبل به الجانب الأميركي بل البريطاني في بعض الأحيان وتجاهلته تماماً الصين، وهو ما يؤكد الحرص الراهن من الدول الدائمة على المضي وفقا لهذا النظام التي تراه بعض الدول جائراً في حقها، ومعلوم أن هناك دولاً مثل البرازيل وألمانيا والهند والصين وجنوب أفريقيا طالبت من قبل مراراً بمنحها هذا الحق.

ومع قرب حلول الذكرى ال60 لنشوب الحرب العالمية الثانية، يبدو أن هذا المطلب باتا مهما، ويحتاج بالفعل لطرحه في ظل هيمنة الدول الكبرى على القرار الدولي، بل والفشل في مواجهة السياسات للدول دائمة العضوية، وهو ما حدث مع الفشل في إدانة ضم روسيا للقرم أوالتدخل الروسي في أوكرانيا، وكذلك استخدام الولايات المتحدة لهذا الحق في منع إدانة إسرائيل لممارستها الانفرادية في الأراضي الفلسطينية، والحرب علي قطاع غزة.

مواقف الدول الكبري في مجلس الأمن ستعمل على إفشال أي خطوة تسحب الحق الأصيل لاستخدام الدول دائمة العضوية مما سيفشل أي مواقف يمكن أن تتخذ تجاه روسيا أو الولايات المتحدة وكذلك الصين في إشارة مهمة لما هو قائم، ومن ثم فإن نظام الأمم المتحدة بالكامل، وليس مجلس الأمن فقط يحتاج مراجعة.

وهذا كله ُيطرح على استحياء في ظل حاجة المجتمع الدولي لتنظيم أكثر عدالة واحتراما لمصالح الدول في العالم كبيرها وصغيرها، وفي ما يجري من تحديات ومخاطر غير مسبوقة قد تدفع لمزيد من الانزلاق في مواجهات إقليمية ودولية مع استمرار حالة النزاعات والصراعات الدولية مستمرة وقائمة وتعبر عن نفسها في أقاليم عدة في العالم وفي ظل فشل الأمم المتحدة في وقف الأزمة الدولية الراهن بين روسيا وأوكرانيا نظرا لوجود روسيا في مجلس الأمن، وتمتعها بحق النقض تجاه أي قرار يمكن أن يصدر، ويندد بسلوكها وممارساتها.

ومع استمرار حالة عدم الاستقرار في العالم فإن الأمم المتحدة بجميع أجهزتها، وليس مجلس الأمن ستبقي في موقع العاجز عن اتخاذ أي إجراء سياسي لمواجهة ما يجري من مواجهات قد يكون أحد أطرافها دولة عضو دائم في مجلي الأمن.

* أكاديمي متخصص في العلوم السياسية والشؤون الاستراتيجية.