هل لتفاصيل تداخل الجغرافيا الإنسانية دلالات عابرة للجغرافيا السياسية؟ ذلك بالتأكيد سؤال جوابه نعم في الحالة الإماراتية العُمانية، كما اتضح لي أثناء جولتين في الإمارات، كانت الأولى لمنتجع جبل حتا (دبي) والثانية إلى دبا الحصن، وكلاهما كانتا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. ففي الطريق إلى حتا فوجئت بيافطة كُتب عليها: «ولاية محضة/ سلطنة عُمان ترحب بكم» اعتقدت أني أضعت الطريق، فعدت أدراجي وراجعتُ الخريطةَ من جديد (الجي بي أس لم يكن متوفراً حينَها) ومن بعدها واصلتُ المسير إلى أن وصلت ليافطة أخرى كُتب عليها: «ولاية محضة تستودعكم السلامة، لأعاود دخول الأراضي الإماراتية. المرة الأخرى كنت بصحبة صديق في رحلة من مزرعته في الذيد إلى دبا الحصن لشراء سمك لغداء يوم الجمعة، الله يذكره بالخير «بو محمد»، حيث نصح بالسير في الشارع في الاتجاه المعاكس والموازي لميناء الصيادين. لم أنتبه لحظتَها بعد المشي لما يقارب الخمسين متراً أني في عُمان، حيث لا حدود ولا مخافر، بل فقط التغير في ألوان البيوت وأرقامها وبلدية الدولة التابعة لها.
لن ينسى التاريخُ فضلَ رجلين على الجغرافيا السياسية والإنسانية شرق وجنوب شبه الجزيرة العربية، هما المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وجلالة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، طيب الله ثراهما، فلكليهما فضلُ تحصين الجغرافيا السياسية، واستدامة اتصال وتواصل الجغرافيا الاجتماعية. واليوم، وعُمان والإمارات في عُهدة رجلين يمثلان الامتداد الطبيعي لرؤيتهما، وما زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة لعُمان إلا تعميداً لمرحلة أخرى من تاريخ الشعبين الشقيقين.
لنا أن نتحدث طويلاً في السياسية، إلا أن ما تحتمه الجغرافيا الاجتماعية من انصهار، يضع التكامل الإماراتي العُماني ضمن أولوياتهما الاستراتيجية، وآفاق ما يمكن أن ينتج عنه ذلك تتخطى كل ما يمكن أن يجترحه فقهاء السياسة والاقتصاد من رؤى. فالجغرافيا العُمانية توفر تنوعاً وموقعاً استراتيجياً يجب أن تستحث كافةَ القطاعات الممكنة والكامنة في خدمة عُمان وأهلها، ويجب أن لا تكون جملة ما وقع من اتفاقيات بين عُمان والإمارات هي نهاية المطاف، بل أولى الخطوات لتمكين مفهوم الجغرافيا الاقتصادية بعدة أنماط، وأولها أن تتحول تلك المشاريع المشتركة إلى قاطرة لجر واستيعاب وتحفيز القطاع الخاص خليجياً.
جغرافيا عُمان والإمارات جنوب مضيق هرمز قادرتان على تحييد قيمة المضيق سياسياً، ومياه عُمان العميقة على بحر العرب والمحيط الهندي، هي بوابة شبه الجزيرة العربية إلى العالم ومنه. وجملة ما يستثمر في البنى التحتية من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في ربط عُمان بجوارها المباشر، يمثل تحصيناً لعمق شبه الجزيرة وكذلك لسلال الإمداد الاستراتيجي لعموم أهلها، وهي جغرافيا غير مرتهنة بخوانق (هرمز/ باب المندب/ قناة السويس).
في الخاطر جملة: أما آن للجغرافيا أن تقرأ؟! 

*كاتب بحريني