تَعقِد هذه الأيام الجمعيةُ العامة للأمم المتحدة اجتماعَها السنوي حضورياً للمرة الأولى بعدما كان يُجرى عبر الإنترنت في العامين الماضيين بسبب أزمة وباء «كوفيد-19»، وفي غياب الرئيسين الروسي والصيني، ويلقي نحو 150 رئيسَ دولة وحكومة خطاباتِهم. وتَغلُب على هذا الاجتماع انقسامات واسعة بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، وبسبب الكوارث المناخية، علاوة على انعدام الأمن الغذائي العالمي، إلى جانب الانقسام والفقر وانعدام المساواة والتمييز.
وإذا كانت التوترات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا هي الطاغية في خطابات القادة الغربيين خلال الاجتماع الأممي، بما في ذلك خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، فإن هناك امتعاضاً من دول الجنوب إزاء دول الشمال في مجال مكافحة التغيّر المناخي، فالدول النامية تتحمل قدراً أقل من المسؤولية عن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لكنها تعتبر أولى ضحايا التغير المناخي، وهي تكافح كي تفي الدول الصناعية المتقدمة بوعودها في ما يتعلق بتقديم مساعدات مالية لمواجهة التلوث البيئي.
وقبل شهرين من مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (COP27) في مصر، لم يكن مستغرباً أن يخصص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش جزءاً من كلمته لأزمة المناخ، وهو الذي جعل من تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة إحدى أولوياته الرئيسية، وقد رأى في خطابه أن العالَم في «ورطة كبيرة»، ويعيشُ أكثرَ من أي وقت مضى خطورةَ الانقسامات والعنف وأزمةَ غلاء المعيشة.. مما ينذر بموجة من «السخط العالمي».
لكن السؤال المطروح بهذه المناسبة، والذي يتداوله الخاص والعام، هو ذلك المتعلق بإمكانية إصلاح الأمم المتحدة تبعاً لما يجري من أحداث متسارعة في الساحة الدولية. وجواب السؤال هو أن إصلاح الأمم المتحدة أمر صعب جداً في الوقت الحالي على الأقل.
لقد كانت هناك محاولات عديدة لإصلاح الأمم المتحدة في عهد أمنائها العامين السابقين، لكنها باءت جميعاً بالفشل الذريع، لأن الإشكالية المطروحة تكمن في ضرورة «التمثيل المتوازن» داخل الأمم المتحدة. وهذه الإشكالية كلّما طُرحت خَرجتْ إلى الوجود العديدُ من التساؤلات والإرهاصات التي توقف في المهد كلَّ المحاولات الإصلاحية: ما معنى التمثيل المتوازن؟ وهل يصح أن تواصل الدول الخمس، المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، احتكارَها العضويةَ الدائمةَ في مجلس الأمن وامتلاكَ حق النقض ضد قرارات العالم؟ 
إن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق، والتي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء الأمم المتحدة إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصادق عليها ثلثا الأعضاء ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين». بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هذه المادة صعب بل غير ممكن. 
وتبقى الأمم المتحدة مع ذلك، رغم كل ما يمكن أن يكتب أو يقال، هي المكان الوحيد الذي تجتمع فيه كل دول العالم، والجهة التي يتعين عليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الدولية الجديدة واحترام المبادئ الديمقراطية مهما كان الثمن. 

*أكاديمي مغربي