استغل الرئيس الأميركي خطابه أمام الجمعية العامة لإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا. وقال بايدن إن الحرب كانت طعنة في «المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة» وهجوم على مبدأ السيادة الوطنية.
جاء خطاب بايدن بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تصعيد، يتمثل في تعبئة جزئية للقوات والأصول وتهديد متكرر باستخدام الأسلحة النووية. بايدن استخدم أجزاء كثيرة من خطابه للإشارة إلى أنه يدرك أنه في عالم يتزايد فيه زعزعة الاستقرار المرتبط بالمناخ، ونقص الغذاء، والتحديات الصحية المستمرة، فإن الحرب ليست الشغل الشاغل للجميع.
منذ بدايتها، صور كل من الرئيس بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الحرب على أنها معركة من أجل الديمقراطية ومن أجل النظام الدولي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن المشكلة مع اختزال الشؤون العالمية في معركة بين أيديولوجيتين، كما يقول بعض خبراء العلاقات الدبلوماسية والدولية، هي أنها تقلص مساحة وبيئة التعاون والثقة المتبادلة اللازمة لمعالجة القضايا العالمية الملحة وحتى الوجودية، من تغير المناخ إلى الأمن الغذائي والصحة.
وباعتبارها البيت الذي بنته التعددية على أنقاض الحرب العالمية الثانية، قد تكون الأمم المتحدة المكان الخطأ للتأكيد على رؤية حول مواجهة أيديولوجية عالمية كبيرة.
من خلال رؤيته للصراع بين الديمقراطية والاستبداد، وعلى وجه التحديد، الحرب في أوكرانيا، يقول مايكل ديش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نوتردام بولاية إنديانا والمدير المؤسس لمركز الأمن الدولي بالجامعة: «يتحدث بايدن ويتصرف بدرجة عالية من اليقين الأخلاقي بأننا على جانب الملائكة».
ويضيف: «قد يكون لدينا الأوروبيون وحلفاء غربيون آخرون معنا في هذا الشأن، لكن الكثير من العالم يحاول إخبارنا أن هناك مشاكل أخرى تستنزفها الحرب المستمرة في أوكرانيا».
يقول البعض إن العالم النامي على وجه الخصوص، وهو الأكثر تضرراً من التحديات العالمية مثل تغير المناخ، والهجرة الجماعية، ومخاوف الصحة العامة، هو الذي يقاوم الانضمام إلى معركة أيديولوجية عالمية من شأنها أن تجعل معالجة هذه التهديدات أكثر إشكالية.

ويرىل مايكل دويل، الأستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا ومساعد سكرتير الأمم المتحدة السابق: «نحن على أعتاب حرب باردة جديدة، في عالم منقسم على أسس النظم السياسية والأيديولوجيات. لكن في الوقت نفسه، نشهد ظهور عالم ثالث جديد لا يريد أن يُجبر على الخوض في قيود عالم الاستبداد مقابل الديمقراطية».
قد يفسر إدراك هذه المقاومة سبب تخصيص الكثير من خطاب بايدن أمام الجمعية العامة يوم الأربعاء لمعالجة التهديد الثلاثي المتمثل في تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي والصحة العالمية.
لقد أشار بايدن بالفعل إلى «الصراع بين الديمقراطية والاستبداد»، الذي جعله سمة مميزة لرئاسته، وأكد مجددا على اقتناعه بأن «الديمقراطية تظل أعظم أداة للإنسانية لمواجهة تحديات عصرنا».
لكنه قلل أيضا من أهمية أوجه المواجهة في هذا الصراع، مشيرا إلى أن ميثاق الأمم المتحدة «تم التفاوض عليه بين عشرات الدول ذات الأيديولوجيات المختلفة».
علاوة على ذلك، أعلن أن المبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة - من السيادة الوطنية وسلامة أراضي الدول الأعضاء إلى حقوق الإنسان العالمية - هي «الأرضية المشتركة التي يجب علينا جميعا أن نقف عليها».
وأشار بايدن إلى التكاليف الباهظة التي يدفعها العالم بأسره لارتفاع انعدام الأمن الغذائي، وقال: «إذا لم يتمكن الآباء من إطعام أطفالهم، فلا شيء آخر مهم».
حتى قبل وصول الرئيس الأميركي إلى نيويورك، كان المسؤولون الأميركيون يعترفون بشكوك العديد من الدول بشأن رؤية أكبر أسبوع في الدبلوماسية الدولية تهيمن عليه حرب يرون أنها إما مرتبطة بشكل عرضي بمصالحهم أو تزيد من تعقيد التحديات المحلية - أحد الأمثلة على ذلك يتمثل في كيف أدت الحرب إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي.
قالت السفيرة الأميركية، ليندا توماس جرينفيلد، في مؤتمر صحفي مع الصحفيين الأسبوع الماضي: «لا، لن تهيمن أوكرانيا على أسبوع الجمعية العامة. بالتأكيد أعربت دول أخرى عن قلقها من أننا بينما نركز على أوكرانيا، فإننا لا نولي اهتماما لما يحدث في أزمات أخرى حول العالم».

وبالفعل، يبدو أن المشاركة الدبلوماسية الأميركية في الأمم المتحدة هذا الأسبوع مصممة جزئيا لإثبات أن الولايات المتحدة تتولى زمام المبادرة في عدد من القضايا العالمية.
استخدم الرئيس بايدن خطابه لتنشيط الجهود التي نوقشت منذ فترة طويلة ولكنها خاملة إلى حد كبير لإصلاح الأمم المتحدة لمواجهة تحديات القرن 21 بشكل أفضل. تشمل المقترحات الأميركية إصلاح مجلس الأمن، الذي يعكس أعضائه الخمسة الدائمون والذين يتمتعون بحق النقض توازن القوى الناتج عن الحرب العالمية الثانية، بدلا من التقييم العادل لتوزيع القوة العالمية اليوم.
ومع ذلك، يقول بعض الخبراء إن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين ما زالوا يركزون بشدة على الصبغة الأيديولوجية للحرب في أوكرانيا لدرجة أنهم يخاطرون بإطالة أمد الصراع الذي لا يكلف أوكرانيا وروسيا فحسب، بل العالم بأسره.
قلة من الدبلوماسيين أو المطلعين في الأمم المتحدة يمنحون جهود الولايات المتحدة لإصلاح وتحديث الأمم المتحدة فرصة كبيرة للنجاح. لكن في الوقت نفسه، يقول البعض إن مجرد حقيقة أن الولايات المتحدة تدرج أجندة الإصلاح كجزء من الضغط الدبلوماسي تشير إلى عودة الولايات المتحدة إلى مشاركة دولية أكثر نشاطا في عهد الرئيس بايدن.

هوارد لافرانشي
المراسل الدبلوماسي لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»