في الأول من سبتمبر في فيلادلفيا، حذر الرئيس جو بايدن الأميركيين من «الجمهوريين» ذوي العقلية الاستبدادية. لكن الغريب أن عدداً كبيراً من الليبراليين والمحافظين هاجموا بايدن ووصوفه بأنه «يثير الانقسام». الواقع أن كلمة بايدن هذه جاءت متأخرة للغاية، فقد كان يجب عليه استهلال رئاسته بتوصيف واضح للتهديدات العالمية للديمقراطية. وتطرف الحزب «الجمهوري»، الذي يزداد ميلاً نحو نزعة الرئيس السابق دونالد ترامب يجب أن ينبهنا إلى ظاهرة لا تحظى برصد كاف ولا بتحليل واف. والظاهرة هي أن أحزاب «يمينية» كانت تحظى باحترام في السابق خارج الولايات المتحدة اتبعت نهجا سيئا أيضا. 
ففي الانتخابات التي تُجرى في وقت لاحق من هذا الشهر في إيطاليا، من المرجح أن تصبح جيورجيا ميلوني، الوزيرة السابقة في حكومة يمين الوسط، أول زعيم يميني متشددة في البلاد منذ بينيتو موسوليني. وشريكها في الائتلاف سيلفيو برلسكوني، وأحد حلفائها الانتخابيين الآخرين، ماتيو سالفيني، معجب أيضا بالرئيس الروسي ويهاجم المهاجرين والاتحاد الأوروبي. وميلوني نفسها تعارض حقوق الإجهاض للنساء. ومثل معظم اليمين المتطرف، فهي مولعة بالقضاء على حركة التبصير بالمظالم الاجتماعية. وكما قالت في خطاب في مؤتمر العمل السياسي المحافظ في فلوريدا في فبراير، «أرى المتعصبين لثقافة الإلغاء في مؤسساتنا يدمرون التماثيل ويعبثون بالكتب والقصص المصورة، ويغيرون أسماء الشوارع، متهمين التاريخ المشترك الذي يريدون إعادة كتابته». 

ولا تقتصر أهمية صعود ميلوني على أن إيطاليا كانت منذ أوائل القرن العشرين رائدة الحركات اليمينية المتطرفة في أوروبا، بل الأهم من ذلك، أن «مانفريد ويبر»، رئيس حزب الشعب الأوروبي – وهو مجموعة من أحزاب «يمين الوسط» من التيار الرئيسي في جميع أنحاء القارة - أيد علنا تحالف برلسكوني مع ميلوني. وعلى عكس بلدان كثيرة غير غربية، تتمتع الأحزاب اليمينية في أوروبا وأميركا الشمالية بسجل طويل في احترام المعايير الديمقراطية. ولنأخذ مثال حزب الشعب الأوروبي، فهو يتمتع بأكبر تمثيل في البرلمان الأوروبي. ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عضو فيه. وسعى زعماء سابقون مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل جاهدين لاستبعاد العناصر اليمينية المتشددة. وعلى سبيل المثال، حافظ حزب «الشعب الأوروبي» على مسافة يقظة من حزب «البديل من أجل ألمانيا» المعادي للأجانب. 
والحزب في نهجه هذا يتمسك بتقاليد عريقة. ولعقود من الزمان بعد رزايا النازية والفاشية، سارع حتى السياسيين الأوروبيين المحافظين إلى تهميش اليمين المتشدد، مدركين أن أيديولوجيته المليئة بالكراهية لا تتوافق بشكل أساسي مع القيم الأساسية للمجتمعات الديمقراطية. وحتى عام 2018، على سبيل المثال، رفض الحزب المعتدل المحافظ في السويد كل أشكال التعاون مع حزب «الديمقراطيين السويديين»، الذي تمتد جذوره إلى الأيديولوجية النازية. لكن هذا الطوق الصحي انكسر الآن، ومن المقرر أن يصبح الديمقراطيون السويديون ثاني أكبر حزب ووسيط سلطة رئيسي في البرلمان. 

وفي ظل هذه الظروف التي جعلت من كانوا منبوذين يدخلون التيار الرئيسي، يبدو احتضان «ويبر» لتحالف يهيمن عليه اليمين المتطرف أمراً خبيثاً بشكل خاص. فهذا يضعف انتقاد الاتحاد الأوروبي نفسه للأنظمة غير الليبرالية في المجر وبولندا، ويتيح المزيد من إضفاء الشرعية على الحركات الفاشية الجديدة مثل حزب «فوكس» في إسبانيا الذي دخل بالفعل التيار السياسي الرئيسي الإسباني من خلال شراكته مع حزب «الشعب» من «يمين الوسط». وكتب الفيلسوف الإسباني «يوسيب رامونيدا» في صحيفة «البايس» واصفاً الموافقة على أنها علامة على «أننا في مرحلة رجعية للديمقراطية الأوروبية». ومع ذلك، لم يغطي هذا الأمر تقريباً وسائل لإعلام الأميركية والبريطانية. 
ويؤكد انتقاد خطاب بايدن في فيلادلفيا أن كثيرين من السياسيين والصحفيين من التيار الرئيسي إما غير مبالين أو مستعدين لقبول التدني السريع لأحزاب اليمين التي كانت محترمة في يوم من الأيام. وواصل أبرز السياسيين والصحفيين في المملكة المتحدة دعمهم حكومة حزب المحافظين الكارثية لرئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، على الرغم من الأدلة المتزايدة على ازدرائه للمعايير الديمقراطية وسيادة القانون، من محاولته تحطيم البرلمان البريطاني بشكل غير قانوني إلى تمزيق معاهدة دولية بشأن أيرلندا الشمالية. 

وتكشف نظرة سريعة على الجرائد والصحف الشعبية في المملكة المتحدة أن الترحيب الحماسي نفسه يمتد إلى بديل جونسون، ليز تروس - الشخصية اليمينية المتشددة التي شنت بالفعل هجمات غير مسبوقة على الشكوى من المظالم الاجتماعية في الحكومة البريطانية وفي الشرطة. ومع تباطؤ النمو، وتفاقم التضخم، وكثرة تواتر موجات الحر والفيضانات، ونقص الطاقة الذي يلوح في الأفق، يشعر عدد يتزايد من المواطنين بالعجز أمام مثل هذه التغييرات. ومن المرجح أن تصبح الأحزاب اليمينية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة أكثر تشدداً، كما أن ليس لديها إلا القليل من الحلول الجديدة لأزمات اليوم الاقتصادية والبيئية المدمرة. لكنها تستطيع استغلال الاضطرابات الاجتماعية لصالحها من خلال إذكاء اختلاف هويات العرق والدين من جديد، والترويج لأساطير العظمة القومية. ولا شك في أن التحولات المستمرة في الاقتصاد والبيئة ستجعل اليمين أكثر تشدداً عقائدياً وأكثر عقماً وسلطوية، وليس أكثر مرونة وابتكاراً وديمقراطية. وإنكار ذلك، أو معاقبة بايدن على قول الحقيقة الواضحة، يعني التواطؤ في اتجاه سياسي مدمر.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»