نشرت مجلة «نيتشر» سبقاً علمياً، لباحثين بقيادة علماء من جامعة كامبريدج، تم وصفه بأنَّهُ «تحفة علمية»، وأنَّهُ «إنجاز ثوري» في حركة العلم. نجح العلماء في تخليق «جنين فأر» في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية، وقد أصبح للجنين قلبٌ ينبض، وجهاز عضلي وهضمي، وهيكل عظمي وبدايات دماغ.

يقول العلماء إن «الجنين الاصطناعي» لن ينمو ليصبح فأراً، فهذا أمر مستحيل، لكنّ ما تم إنجازه سوف يساعد في معرفة تفاصيل المرحلة الأولى لنمو الجنين، وتطوره في الأيام والأسابيع الأولى من حياته، وهو ما يساعد على إمكانية مواجهة أمراض، أو توجيه حركة النمو.. ثم إن ذلك يساعد أيضاً في إحداث تقدم في مجال استخدام الخلايا الجذعية لإنتاج وزراعة الأعضاء.

على قدر ما يمكن أن يحققه هذا المضمار من العلم في خدمة الإنسان، على قدر الخطر الذي يمثّله أيضاً، ذلك أن انحراف العلماء، أو توجيههم أو تسيسهم، أو تقديم شركات ومؤسسات إغراءات قوية لهم.. من شأنه أن يحوّل الفرص إلى مخاطر، والهدف النبيل في الرعاية والعلاج إلى إنتاج المرض وصناعة الألم.

لقد أثير نقاش بهذا الصدد عام 2018، حين تمكَّن طبيب صيني من الإشراف على ولادة أول طفلتيْن معدلتيْن جينياً في التاريخ. وصفت الحكومة الصينية ما فعله الطبيب بأنها تجارب مارقة، وقامت بإيداعه السجن، لكن القلق من وجود أطباء آخرين، وتجارب أخرى لم ينه حالة الذعر. في عام 2020 تجدّد النقاش من جديد، حيث حصلت عالمتان من فرنسا والولايات المتحدة على جائزة نوبل للكيمياء، لنجاحهما في التدخل لتعديل الحمض النووي، حذفاً وإضافةً عبْر ما تم تسميته بـ«المقصّ الجيني».

إن هدف ذلك المقصّ هو منع الأمراض الوراثية، من خلال تعديل الجينات، وذلك من أجل الوصول إلى كائن بشري أفضل، وهو ما وصفته لجنة جائزة نوبل بأنه «إعادة صياغة لقانون الحياة».

إن إنجاز العالمتيْن إيمانويل شاربنتييه وجينيفر دودنا هو إنجاز علمي كبير، لكنه من دون شك إنجاز علمي خطير. فإذا كان ذلك هو ثاني أكبر إنجاز في التاريخ في ذلك الحقل، بعد اكتشاف الحمض النووي عام 1953، فإنه أيضاً قد يدفع علماء وساسة مارقين إلى استخدامات سيئة لذلك المقص الجيني الذي يمكن أن يحذف ما لا يجب حذفه، أو يضيف ما لا تجب إضافته. في عام 2021 قام الملياردير الأميركي جيف بيزوس برعاية شركة متخصصة في مكافحة أمراض الشيخوخة، وإعادة البرمجة الجينية، لأجل إطالة عمر الإنسان.

بالتوازي مع تجارب جيف بيزوس الجينية، يرعى الملياردير إيلون ماسك صاحب شركة تسلا وسبيس اكس الشهيرتيْن علماء يعملون على إنتاج شريحة رقيقة تتصل بالخلايا العصبية في الدماغ، وذلك عبْر أسلاك نانوية.. من أجل علاج أمراض المخ وعلى رأسها الزهايمر. إن ذلك كله: ولادة أطفال معدّلين جينياً، وإنتاج المقصّ الجيني، وتأسيس مختبر الخلود لإطالة عمر الإنسان، وصولاً إلى تخليق جنين فأر اصطناعي.. يبعث على الأمل والخوف معاً.

الأمل في مستقبل طبي أفضل للبشرية، والخوف ممّا يثار حول تحرير الجينات، والحروب الجينية، واندلاع حرب باردة وراثية. يقِف العالم علمياً فوق قمة الهمالايا.. لكن خطأً واحداً عند القمة سيكون الخطأ الأخير.

* كاتب مصري