كان محزناً للسوريين أن يتحولوا إلى متفرجين فقط، ومنتظرين لنتائج عدد من الاجتماعات الدولية التي تبحث عن حلول لقضيتهم دون دعوتهم لحضور الاجتماعات الهامة كالتي جرت مؤخراً بين دول ذات شأن في الملف مثل اجتماعات روسيا وإيران وتركيا. صحيح أن هذه الدول تملك قراراً في القضية السورية بسبب حضورها العسكري، لكن كل قرارات الأمم المتحدة وكل البيانات التي تصدر عن الاجتماعات واللقاءات الدولية تؤكد أن الحل سوري، وأن سوريا ملك للسوريين جميعاً. وصحيح أن قرار تشكيل لجنة دستورية الذي اتخذ في سوتشي، كان بحضور السوريين، لكن القرار روسي بوضوح، ولم يكن أمام المؤسسات المعارضة غير الإذعان أمام الضغط الدولي. وقد قلتُ سابقاً إن اللجنة الدستورية لن تحقق أهدافها، لأن تقديم تشكيلها على تراتبية الحل الذي أعلنه مجلس الأمن في القرار 2254 سيجعلها عاجزةً عن الوصول إلى اتفاقات كاملة، وهذا ما آلت إليه اللجنة الدستورية التي أنفقت ثماني جولات دون أن تحقق التقدم الذي يأمله المراقبون، ويسعى الآن بيدرسون أن ينفخ فيها الأمل، لكن قد لا يتغير شيء. وهذا ما يدعوني أن أجدد اقتراحي ودعوتي للمعارضة السورية، كحل عملي، أن تقبل بدستور 2012 مع إجراء تعديلات عليه، وكنت قد أشرت سابقاً إلى أحد عشر بنداً يمكن أن تتم مناقشتها والتعديل فيها، فليست كل بنود دستور 2012 مرفوضة، ولا داعي لإعادة كتابة نحو 145 مادة ليست إشكالية، وأشرت إلى تخوفي من فرض دستور جديد يُصاغ بطريقة طائفية تقسم سوريا، وتوزع مناصب الدولة فيها على الطوائف، بحيث يلغِي مفهوم المواطنة، وتختفي الهوية السورية فيه. 
ويبدو أن دعوة الولايات المتحدة لعقد مؤتمر في جنيف حضره ممثلو 13 دولة هم المبعوثون الدوليون إلى القضية السورية، أول سبتمبر الحالي، كان بداية إحياء للقرار 2254 بعد غياب أميركي طويل عن الاهتمام الجاد بالوصول إلى حل عبر تنفيذ القرار. وأصف اللقاء بأنه مجرد بداية لأن حضور الولايات المتحدة كان عبر مساعد وزير الخارجية غولدريتش وليس بحضور وزير الخارجية بلينكن، والمهم أن الجميع وافقوا على إحياء القرار، وأكدوا التزامهم باستمرار الدعم السياسي. وحتى الدول العربية التي وقفت مؤخراً موقفاً وسطاً في حلبة الصراع السوري أعلنت استمرار دعمها للقرار 2254، وبوسعنا أن نتذكر موقف قمة جدة للأمن والتنمية الذي أكد على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، بما يحفظ وحدتَها وسيادتَها، ويلبي تطلعات شعبها، بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254. 
أُدرك أن العالَم منشغل في هذه الفترة بالحرب الروسية الأوكرانية، وقد يعتبر القضيةَ السوريةَ ثانويةً أمام الأخطار التي تواجه العالَم كلَّه، وتضع الولايات المتحدة أمام تحديات هائلة في الحرب التي ما تزال باردة بينها وبين روسيا وبينها وبين الصين في صراع حول إعادة تشكيل النظام العالمي، وكذلك الاتحاد الأوروبي المرتجف سلفاً من برد الشتاء القادم، وكذلك العالم العربي الذي يعاني مصاعب خطيرة في جسده، من ليبيا إلى لبنان إلى العراق واليمن، فضلاً عن محنة الاصطفاف التي تعرضت لها دول المنطقة، وتداعيات مآل الملف النووي الإيراني. فكل هذه الملفات الساخنة تجعل الحاجة ماسة إلى تفاهمات استراتيجية سريعة لإنقاذ الأمة. والمفجع أن سوريا تحولت إلى ساحة صراعات دولية، وكان حسب الشعب السوري ما يعانيه من تشرد ومن معاناة في بعض بلاد اللجوء وضيقها باللاجئين إليها، ومن قهر وفقر وفواجع.

*وزير الثقافة السوري السابق