في إطار التحول الرقمي المتزايد في دولة الإمارات العربية المتحدة، أفراداً ومؤسسات، وما واكبه من تنامي التهديدات الالكترونية، بصورها وأشكالها العديدة والمتنوعة، على الدولة والمجتمع وبنيتهما التحتية الحيوية، كان لا بد من تعزيز إجراءات السلامة السيبرانية في البلاد.

وفي هذا الصدد، تبنى مجلس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، برئاسة د. محمد الكويتي، مبادرة «النبض السيبراني Cyber Pulse»، التي تأتي لمراكمة الجهود التي باشرتها دولة الإمارات في مجال السلامة السيبرانية.

وتهدف المبادرة إلى ضمان تحولٍ رقمي آمن، يمكن جميع الأفراد والقطاعات في الدولة من استخدام منجزات التكنولوجيا الرقمية في بيئةٍ أقل تهديداً، ويسهم في تحقيق أهداف الدولة في التنمية المستدامة. وفي تقديري أن هذه المبادرة مبتكرة، قدر ابتكار مسماها، حيث يسعى أصحابها إلى تحويل قضية الأمن السيبراني إلى همٍ مجتمعي مشترك ودائم، يتتابع الإحساس به ويتجدد الشعور بأهميته مع كل نبضٍ يصدر عن أفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين، نساءً ورجالاً، شيبة وكهولاً وشباباً وناشئةٍ. وذلك أنّ أول ما تريد المبادرة غرسه هو أنّ تأمين الفضاء الإلكتروني لدولة الإمارات هو مسؤولية هؤلاء جميعاً، فالفرد والمجتمع هما حائط الدفاع الأول ضد أية تهديدات سيبرانية على الدولة ومؤسساتها والمجتمع وبنيته المعلوماتية الأساسية، سواء اتخذت صورة الجرائم الإلكترونية أو الإرهاب والتجسس السيبراني أو الحروب المعلوماتية.

ومن ثم، يجاهد أصحاب المبادرة، عن طريق سلسلة متواصلة من البرامج التدريبية لقطاعات الدولة المختلفة ولشرائح المجتمع المتباينة، إلى نشر التوعية الرقمية بين أعضاء المجتمع. وهي، بهذا المعنى، مبادرة وطنية شاملة. وعن طريق تعزيز ثقافة المسؤولية المجتمعية من خلال تأمين الفضاء الإلكتروني للدولة ينمو ويترسخ مفهوم الولاء الوطني السيبراني.

وقد عبر د. الكويتي، رئيس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات، عن معنى «الولاء الوطني السيبراني»، في إحدى الفعاليات الثقافية التي شارك فيها. فهذا المصطلح يُقصد به أن يعكس التحول الرقمي وتوظيف التكنولوجيا الحديثة مجموعة من القيم والعادات والتقاليد الوطنية، ترسخ الولاء للوطن وقيادته السياسية.

وفي هذا أيضاً، يظهر الاتجاه الابتكاري للدكتور الكويتي، وذلك أنه يُعد الفضاء السيبراني جزءاً لا يتجزء من إقليم الدولة، يجب أن تظلله سيادتها. كما أن قيمة الولاء تلك لا تقتصر فقط على المواطنين دون غيرهم، بل تنسحب على جميع أفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين، وتتضمن أن يحرص كلٌ على تأمين نفسه بنفسه ومد مظلة الأمان إلى أفراد أسرته وجماعات الأصدقاء وزملاء العمل وهكذا... ولذلك، يؤكد د. محمد الكويتي أن هذا الولاء يُتحصل عن طريق تطبيق المبادرة على نطاقٍ واسع في المجتمع، لإشراك أفراد المجتمع في تأمين أنفسهم والآخرين، وتأمين مجتمعهم وفضائهم السيبراني، وحماية مقدرات الدولة وبنيتها الحيوية.

وتتضمن المبادرة ورش عمل وبرامج تدريب على حوادث أمن المعلومات، وكيفية التعامل مع مراكز إدارة أمن المعلومات، ومحاكاة الهجمات الإلكترونية، موجهة لقطاعات الدولة جميعها وشرائح المجتمع كلها، ولا سيما السيدات والطلاب في مراحل التعليم العام والجامعي المختلفة. ويبتغي مجلس الأمن السيبراني إلى إعداد جيل من فرق العمل الإماراتية يمتلك أعلى مستوى من التدريب والتأهيل في مجال أمن المعلومات.

وقد تم إطلاق أولى مراحل المبادرة في يونيو 2022، بالتعاون مع الاتحاد النسائي العام، وحملت اسم «مبادرة النبض السيبراني للمرأة»، حيث تم تنظيم ورشة تدريبية لـ50 منتسبة لتأهيلهن بالخبرات والمعارف المتطورة بمجال الأمن السيبراني. وتمثل الغرض من هذه الورشة، التي يتلوها ورشات، أن تكون كل متدربة قناة تبث التوعية السيبرانية في أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، وتصبح مدربة لطائفةٍ أخرى من المنتسبات. ومع استمرار التدريب وتواتر التوعية، تمتد مظلة الأمن السيبراني إلى كل شرائح المجتمع، ومناطقه.

ثم أعلن مجلس الأمن السيبراني، بالتعاون مع كليات التقنية العليا ومجموعة من الجامعات في الدولة، مبادرة «النبض السيبراني للطلبة»، التي يبدأ تنفيذها مع بداية العام الدراسي الجديد، وذلك. وتستهدف المبادرة الجديدة تأهيل 3000 طالب وطالبة في المرحلة الجامعية من تخصصات أمن المعلومات أو تقنية المعلومات للقيام بأدوار رئيسية في مجال الأمن السيبراني لمؤسسات الدولة.

وبصفة عامة، وفي سعيه لتنفيذ مبادرته المبتكرة على نطاقٍ واسع، يعمد مجلس الأمن السيبراني إلى تطبيقها عبر ثلاثة محاور، هي المحور الإعلامي والمحور التعليمي ومحور القطاع الخاص. يغطي المحور الأول وسائل الإعلام المختلفة التقليدية منها والجديدة، والإدارات الإعلامية في مراكز البحوث والدراسات. أما المحور التعليمي، فيستهدف تضمين التوعية السيبرانية في المناهج التعليمية وتدريب الطلاب. ويركز محور القطاع الخاص على استهداف الشركات الخاصة والمؤسسات الاقتصادية المختلفة في الدولة.

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية