على الرغم من أن الأمن السيبراني يندرج داخل دائرة أكبر تسمى أمن المعلومات، إلا أنه «الأمن السيبراني» أصبح حارساً وحافظاً لأمن المجتمع الإلكتروني في كافة نشاطاتهِ، والمثير في الأمر أن بعض النظريات في العلاقات الدولية تنطبق في تفاعلاتهِ الإلكترونية كالردع والصراع والحراك الاجتماعي.
شهدنا في هذا القرن تطوراً تكنولوجياً ضخماً في كافة قطاعات النشاط البشري، فجميع الحواسيب والهواتف الذكية، مع التطبيقات والبرامج المستخدمة للأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية كالشركات والمصارف والمصانع والمحلات التجارية وغيرها الكثير كالطيران وحتى بعض الأسلحة، أصبحت مرتبطة بالشبكة العنكبوتية الإلكترونية وما تتيحهُ من برامج وتطبيقات. هذا الأمر قاد إلى عالم إلكتروني، والذي بدورهِ خلق نطاقاً جديداً للتفاعلات الدولية.
فالدولة على المستوى الداخلي وعبر الأمن السيبراني، تحافظ وتصون استخدام جميع الشبكات والأجهزة والتطبيقات الإلكترونية على مستوى الأفراد والمؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية. فإن أي تَعَدٍّ يسبب اختراقاً واحتيالاً وسرقة للمعلومات أو تعطيلَ حركة أو إخلالاً بالنظام الإلكتروني على المستوى الداخلي يعد جريمة إلكترونية يعاقب عليها القانون حسب التشريعات الداخلية والدولية حول الجريمة الإلكترونية. وإلى أبعد من ذلك، فالدول والحكومات تستطيع عبر قدراتها الإلكترونية تتبع واكتشاف أو إحباط الجرائم الفردية والجماعية المنظمة منها وغير المنظمة. علاوة على معرفة ماهية المتغيرات والتحديات والمشاكل والطموحات التي يمر بها المجتمع، والذي يكشف مسار التفاعلات في الحراك الاجتماعي، فتستطيع الدول رسم سياسات مستقبلية أو مراجعة وتغيير بعض السياسات. وهذا الأمر يحمل معضلة بين الضرورات الأمنية التي تفرضها الواقعية السياسية وحقوق الإنسان والحرية الفردية، رغم ذلك يمكن خلق توازنات في هذه المعضلة. على سبيل المثال، ترك الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الرئاسة لنائبة جيرالد فورد بعد فضيحة التجسس «وترجيت»، بينما غيرت هجمات الحادي عشر من سبتمبر من أولويات واشنطن لصالح السياسات الأمنية، حيث تجسست واشنطن على شريحة كبيرة من سكانها والمهاجرين إليها، وصولاً إلى الحلفاء.
فعلى المستوى الإقليمي والدولي، تكمن بعض الصراعات بين الدول بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث يتجاوز القراصنة الإلكترونيون في أعمالهم سرقة المعلومات وتعطيل الأنظمة إلى المراقبة والهجوم المسلح عبر التحكم بالطائرات من دون طيار، وتوجيه أهدافها بدقة عالية، وهم بذلك يندرجون تحت مصطلح فاعلين دوليين من غير الدول، طالما هم يؤثرون على الدول، وقد يكون التأثير بشكل مباشر بين الدول كمجريات الحرب الروسية الأوكرانية. 
وبالنظر إلى حقيقة كون الأمن الاستراتيجي لأي دولة يأتي عبر جوارها الجغرافي، فإن الكثير من الدول تسعى إلى خلق حالة من التوازن والردع المادي والمعنوي المتكافئ، لذا من الطبيعي أن يكون هناك رادع إلكتروني لأي هجوم محتمل مع عمليات للتجسس، وتعتبر هذه الحالة ليست شبيهة، بل مكملةً للردع العسكري في الواقعية السياسية.
* كاتب ومحلل سياسي