للتعليم دوره الرئيسي في التربية وتوجيه الوعي نحو أخلاقياتٍ معينة وتربية المجتمع على قيم عامة، بعض الدول الأيديولوجية وجهت مجتمعاتها نحو أسس أودت بها نحو الهلاك كما في النماذج الناصرية والقومية والبعثية، بينما دول الخليج اختارت النماذج المتسامية والمتسامحة.
قبل أيام كتب الدكتور رضوان السيد مقالةً حول «الفلسفة وجامعة محمد بن زايد»، مما قاله:«قبل عقد ونيف أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتدريس مادة التربية الأخلاقية في المدارس. ويمثل ذلك إدراكاً مبكراً للاحتياجات والضرورات وسط المتغيرات العاصفة للعولمة والانكسارات في منظومات القيم. بالأمس في المدارس واليوم في الجامعة تتواصل التربية الأخلاقية مع الدين والفلسفة لتحقق تكاملاً يمكن أن يكون خصباً ومنتجاً».
أكدتُ رؤية السعودية على الانفتاح مع النظريات، وعلقت على ذلك بأن لم يعد الحديث عن تعليم الفلسفة محدوداً بمجالات التربية وسياسات التعليم، بل أضحى من صميم النقاش التنموي المرتبط بسياسات الدول لتحديد سبل الانتقال بمجتمعاتها نحو الأفضل والأجود.
«رؤية السعودية 2030» -مثلاً- من صميم ما تركز عليه الانفتاح على العلوم والنظريات، والانطلاق نحو الفهم والنقاش بدلاً من الإضراب عن العلم ومقت العالم. تنص الرؤية في فصل التعليم على الآتي: «تسعى (الرؤية) إلى أن تواكب المناهجُ التطورات العلمية، والحضارية، كي يكون الطالب على تواصل دائم مع أي تطورات علمية ومعرفية وأي مستجدات». ومن ذلك بالطبع المستجدات العلمية والفلسفية.

في أكتوبر 2020 صدرت نسخة عربية لكتاب الفيلسوف الأميركي ماثيو ليبمان المفيد بعنوان «الفلسفة تدخل المدارس» (ترجمة عائشة يكن)، وليبمان معروف بأنه من مؤسسي تعليم الفلسفة والمنطق للأطفال، وكتَب الرواية الفلسفية، وخبَر طُرق التدريس.
في يوليو 2020 حين «قررت وزارة التربية والتعليم تضمين المناهج الدراسية مادة الفلسفة للحلقة الثالثة في المدرسة الإماراتية، بدءاً من العام الدراسي المقبل، وتركز فيها على 3 مباحث أساسية، هي الوجود والمعرفة والقيم». علقت بأنه هذه خطوة تنسجم مع التطلع وتواكب النمو الذي تسعى إليه الإمارات، وقطعت فيه أشواطاً مبهرةً على شتى المستويات. وتساءلت: هل تعليم الفلسفة بالإمارات يعتبر حدثاً جديداً؟ وهل قرار التدريس هذا إعلان بداية أم عملية استئناف؟!
صحيح أن تدريس الفلسفة ألغي في التسعينيات كما تذكر الباحثة «ريتا فرج» بقولها: «لا تدرس الفلسفة في المرحلة الثانوية (الثانويات الرسمية)... وقد ألغيت أواخر التسعينيات من القرن المنصرم، بقرارٍ من وزارة التربية والتعليم، وعلى الرغم من إلغاء مادة (التفكير الفلسفي) و(التفكير المنطقي) بـ(القسم الأدبي)، فقد أدرجت بعض المحاور التي ترتبط بالفلسفة في الصف الثاني عشر الأدبي، ضمن مقرر علم النفس، حيث يُعطى الطالب موادّ، مثل مهارات التفكير الناقد، ومهارات التفكير الإبداعي».
وحين طلب مني اقتراح بعض الأسماء لقسم الفلسفة في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية استبشرت خيراً واغتبطتُ كثيراً، وكتبتُ ورشحتُ عدداً من الأسماء المبدعة في هذا المجال، إن الفلسفة الآن بالإمارات لها دورها الحيوي، وأهميتها الكبرى في تقوية رؤى التسامح والاعتدال.
*كاتب سعودي