وثق علماء محنة النحلة الطنان جيدا. ففي السنوات القليلة الماضية، رصد باحثون ومدافعون عن البيئة انخفاضا مثيرا للقلق لعدد النحل الطنان في جميع أنحاء أميركا الشمالية وأوروبا ورصدوا أيضا تهديد تغير المناخ على أنواع من الحشرات. لكن العلماء اقتصروا على تحديد العوامل التي أدت إلى إرهاق النحل الطنان تحديدا في الماضي، والعوامل التي ستعرضه للخطر في المستقبل. وفي ورقة تنذر بالخطر نُشرت في الآونة الأخيرة، وجد فريق من الباحثين البريطانيين أن أربعة أنواع من النحل الطنان درسوها تعرضت لضغوط متزايدة بسبب تغير المناخ خلال القرن الماضي. ووجدوا أن الضغط كان أعلى باستمرار في النصف الأخير من القرن، متتبعا ارتفاع درجات الحرارة العالمية والطقس القاسي الأكثر تواترا. 
وعكف العلماء على قياس أجنحة الآلاف من عينات النحل الطنان التي تم جمعها على مدار أكثر من 100 عام وهي موجودة في شبكة من متاحف التاريخ الطبيعي. وباستخدام الكاميرات الرقمية وبرمجيات معينة، بحثوا عن عدم تناسق دقيق في بنية الجناح. وهذا يدل على ضغوط بيئية قد تؤثر على نمو النحل وتكاثره. ثم قارنوا النتائج التي توصلوا إليها مع البيانات المناخية التاريخية لمعرفة مدى تأثير الطقس القاسي ليجعل الحياة أكثر صعوبة على الحشرات. وذكر الباحثون أنه كلما كان الطقس أكثر سخونة ورطوبة، زاد احتمال أن تنمو أجنحة النحل بشكل غير متوازن. 

وتشير الاستنتاجات إلى أن النحل قد يواجه تهديدات متزايدة مع تفاقم الأحوال الجوية ومكافحة حكومات العالم للحد من انبعاثات الكربون التي تفاقم تغير المناخ. ويعد احتمال انخفاض أعداد النحل مصدر قلق كبير لأنها تلعب دورا رئيسيا في تلقيح الزهور البرية والمحاصيل، ومنها مواد غذائية أساسية مثل الطماطم والبطاطس والفلفل. 

وصرح ريتشارد جيل، من «إمبريال كوليدج لندن» وهو مؤلف مشارك في البحث، لصحيفة واشنطن بوست قائلا «يجب أن يعزز هذا الرسالة التي مفادها أن المساهمات البشرية في المعدلات المرتفعة لتغير المناخ قد تؤثر على الحياة البرية بعدة طرق مختلفة، ونحن نعرض هذه الكائنات للخطر، والنحل من حشرات التلقيح الحيوية وهي مخلوقات رائعة توفر الكثير من خدمات النظام البيئي التي نعتبرها أمر مسلم به ومجاني بشكل أساسي».

وقد توفر الدراسة أيضا للباحثين أدوات مهمة للتنبؤ بمتى وأين يكون النحل الطنان أكثر عرضة للخطر، وقد تساعدهم على اتخاذ قرارات حول أفضل السبل لحماية هذه الحشرات. ويرى ريتشارد كومونت، المدير العلمي في صندوق المحافظة على النحل الطنان، وهي مجموعة بريطانية للحفاظ على البيئة، في تصريح لواشنطن بوست، أن «الشيء الأساسي حقا هو أن هناك طريقة لقياس مدى إجهاد النحل الطنان، على الأقل نسبيا. وهذا يفتح إمكانية لمقارنة أعداد النحل، وربما الأنواع المختلفة، لتحديد أيهما يتم تركيز جهود الحفاظ عليه في المستقبل». وكومونت غير مشارك في الدراسة. 

ويرى جيل- من «إمبريال كوليدج لندن»- أن «هذا أمر بالغ الأهمية للنمذجة التنبؤية في المستقبل، لاستهداف جهود الحفظ، وفهم الأنواع الأكثر تعرضا للخطر، وبالتالي أي النباتات والمحاصيل التي يتم تلقيحها معرضة للخطر أيضا». 

وانخفض عدد النحل الطنان في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا مع ارتفاع درجة حرارة الأرض. وتوصلت أبحاث لعام 2020 إلى أن عدد المناطق التي تسكنها الحشرات قد انخفض بنسبة 46% في أميركا الشمالية و17% في أوروبا. والمناطق التي شهدت انخفاضا حادا، شهدت أيضا تقلبات كبيرة في المناخ، بما في ذلك درجات الحرارة المرتفعة وموجات الحرارة الشديدة. واختار فريق البحث النظر في أشكال أجنحة النحل الطنان لأن مجموعة سابقة من الأبحاث أظهرت أن الكائنات الحية الأخرى- وليس فقط النحل لكن الفراشات والسحالي والقوارض – قد يسير نموها بشكل غير متماثل في حال تعرضها لضغوط بيئية. وتسمى هذه الظاهرة «عدم التناسق المتقلب»، وقد لوحظ هذا في بعض الحيوانات عندما تتعرض لتغيرات في درجات الحرارة ومبيدات الآفات والعدوى ومخاطر أخرى. 

وأفادت أجنحة النحل على وجه الخصوص الباحثين لأنهم تمكنوا من فحص عينات قديمة في المتاحف دون إتلافها. وبدأ الفريق بالتقاط صور للنحل الطنان - أكثر من 6000 نحلة إجمالا- بكاميرات مزودة بعدسات مكبرة مما سمح لهم بالتكبير دون فقدان التركيز. ثم استخدموا برنامجا لتمييز الصور بإحداثيات مرقمة تمكنهم من قياس الاختلافات الصغيرة لكن المهمة في شكل الجناح بدقة. أما عن السنة التي تم فيها جمع كل عينة، فقد بحث الفريق عن متوسط ​​درجة الحرارة وإجمالي هطول الأمطار، ثم قارنوا البيانات. وذكر «جيل» أنه «بهذه الطريقة يمكننا معرفة مدى مساهمة الظروف المناخية في مستوى عدم تناسق الجناح». 

ومضى «جيل» يقول «أظهر هذا أن السنوات التي شهدت درجات حرارة عالية نسبيا أدت إلى عدم تناسق أكبر في الجناحين، لكن هذا اتضح بشكل خاص حين كان هناك أيضا هطول أمطار مرتفع نسبيا في مثل هذه السنوات الدافئة». ومضى يقول إنه في السنوات الأكثر دفئا ورطوبة، «تجلى في النحل أعلى مستوى من عدم تناسق الأجنحة، وهو ما يمثل عامل إجهاد شديد أثناء التطور». وذكر جيل أن عمل الفريق أظهر مدى استفادة العلماء من مجموعات المتاحف لفهم أسباب انخفاض عدد السكان. وأضاف أنها تنطوي «على أسرار بمجرد فتحها قد تزودنا بأفكار كثيرة». 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»