كان الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران يقول إن فرنسا لم يبق لها من أدوات ريادتها العالمية إلا لغتها التي هي اليوم محور نفوذها في ثلاث قارات كبرى، ولهذا النفوذ فوائده الاستراتيجية والاقتصادية البديهية. 
نجحت فرنسا رغم تراجع لغتها في إنشاء تكتل عالمي للفرانكفونية يضم 88 دولة، أغلبها لا يستخدم اللغة الفرنسية إلا بطريقة محدودة وجزئية، لكن هذه الرابطة هي الذراع الاستراتيجي والثقافي لهذه الدولة الأوروبية التي كانت في السابق مهيمنة على مناطق شاسعة من العالم. 
كنت في السابق دعوت إلى توسيع دائرة العروبة إلى هذا التصور اللغوي والثقافي، بإنشاء منظمة دولية مكملة لجامعة الدول العربية بإسم الرابطة العالمية للعروبة، لا بالمفهوم القومي الخاص وإنما من المنظور اللغوي والثقافي الأوسع. لا يخفى على أحد أن استخدام اللغة الذي كان هو العامل الأساس في بناء الهوية العربية في كثير من البلدان التي تنتمي اليوم إلى النسيج القومي العربي يتجاوز بكثير حيز الدول والمجتمعات التي نطلق عليها صفة وتسمية العربية. 
لقد كانت اللغة العربية طيلة العصور الوسطى اللغة الأساسية للعلوم والثقافة والفكر في كل العالم الإسلامي، من الشرق الأقصى إلى المجال الفارسي وبلاد ما وراء النهر انتهاء بأفريقيا. 
ولم يكن هذا الحضور محصوراً في المجتمعات المسلمة، إذ تفيد الدراسات التاريخية الموضوعية أن جل اللغات الأفريقية في كل مناطق القارة بما فيها جنوبها كانت تكتب بالحرف العربي. في هذا السياق، كان الرئيس السنغالي الأسبق ليبولد سيدار سنغور( المسيحي ) يقول إنما يزعمه علماء الاثنولوجيا الأوربيون من أن الثقافة الأفريقية شفهية غير مكتوبة لا ينسجم مع الواقع التاريخي، مستشهدا بتراث مدينة تمبكتو( المالية حاليا ) الذي يضم آلاف المخطوطات العربية النفيسة في كل المجالات. وفي دراساته المهمة حول الفلسفة الأفريقية، ذهب سليمان بشير ديان إلى أن الإسهامات الفلسفية الأفريقية المهمة تمت من داخل مدرسة تمبكتو في العصور الوسطى وكانت عن طريق اللغة العربية. لقد اتجه الكثير من الدول الأفريقية راهناً إلى اعتماد اللغة العربية لغة دراسة وعمل، كما هو شأن تشاد والنيجر ومالي وإريتريا وبعض مناطق نيجيريا...وهي كلها بلدان لا تنتمي إلى جامعة الدول العربية لكنها تعتز بتراثها الثقافي العربي.
قبل سنوات، حضرت في دكار ملتقى كبيرا للشعراء الأفارقة الناطقين بالعربية، وفوجئت بأن عشرات الشعراء من العديد من البلدان الأفريقية لا يقلون شأناً في الإبداع والاعتزاز بالروح الأدبية العربية عن نظرائهم من العرب، بل إن العديد من حواضر العلم والتراث الأفريقية مثل تمبكتو وجني وكنو وطوبى وتيواون وكولخ لا تزال إلى اليوم مدناً عربية يتحدث أهلها اللسان العربي، ويدرسون في معاهد وجامعات أهلية ناطقة بالعربية.
إن هذا الرصيد التاريخي والتراثي الهائل لم يستثمر بالطريقة الصحيحة والناجعة عربياً، رغم الخطوات الجبارة التي قطعت في السبعينيات ضمن توجهات الشراكة العربية الأفريقية التي شكلت في ذروة الحرب الباردة وحركة عدم الانحياز محوراً أساسياً من محاور الدبلوماسية العربية. 
والواقع أن برامج الشراكة الاقتصادية والتنموية التي مولها العرب بسخاء في تلك الفترة، لم تنطلق من هذه الخلفية الثقافية الاستراتيجية أي النظر إلى العروبة كرابطة مشتركة يمكن أن يؤسس عليها تصور جيوسياسي مكين، بدلاً من ترك الدول الأفريقية فريسة لصراع الكومونولث الانجليزي والفرانكفونية الفرنسية.
في أيام إشراف العلامة السوداني محي الدين صابر على المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم طرح مشروع تعليم العربية لغير الناطقين بها الذي استهدف على الخصوص الأفارقة المسلمين ضمن مقاربة واسعة لتدعيم موقع اللغة العربية في الحقل الثقافي التربوي الأفريقي، وكان من بين مكونات هذه الاستراتيجية الإسهام في كتابة اللغات الأفريقية بالحرف العربي (على غرار الفارسية والأوردية ). وكان محي الدين صابر يدعو إلى توسيع جامعة الدول العربية إلى كل الدول الناطقة ولو جزئيا بالعربية، كما كان الشأن بالنسبة للصومال وجيبوتي أوانها وجزر القمر لاحقا. 
قد لا يكون هذا المشروع واقعيا اليوم، ولا هو خيار بالنسبة للدول الأفريقية ( وبعض الدول الآسيوية المسلمة) الناطقة بالعربية، لكن ربما يكون من المناسب الشروع عملياً في بناء التكتل الدولي الموسع للبلدان ذات الرصيد العربي المشترك في اللغة والثقافة. هذا التكتل سيكون في حال تأسيسه قوة دولية وازنة وظهيراً منيعاً للعالم العربي، تجسيدا لما يدعو إليه جل العرب من تشبث بالتنوع الثقافي والتفاعل الحضاري المثمر.
*أكاديمي موريتاني