بحسب جوزيب بوريل، مسؤول العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، بأن المسودة النهائية (وغير القابلة للتعديل عليها) لاتفاق نهائي حول الملف النووي الإيراني قد سُلمت للأطراف المعنية (واشنطن وطهران) في التاسع من أغسطس الجاري.

إلا أن إيران استبقت ذلك بالإعلان عن شروعها في إتمام برنامجها النووي العسكري بعد رفض الطرفين للصيغة الأولى للمسودة والتي عرضها بوريل في 26 من يوليو الماضي في الدوحة. الدبلوماسية اللينة Soft Diplomacy كانت منهج أوروبا في إدارة الأزمات، إلا أن ذلك قد تبدل منذ غزو روسيا لأوكرانيا، لذلك نجدنا أمام تعبير أغلظ من خلال تصريح بوريل «مسودة غير قابلة للتعديل عليها». فهل كان ذلك لإظهار ما يتجاوز التبرم الأوروبي، أم أن ذلك إيذاناً بمغادرة أوروبا لمربع الليونة الدبلوماسية.

أوروبا كانت أكبر ضحايا دبلوماسيتها اللينة قبل الأزمة الأوكرانية وأزمة شرق المتوسط. إلا أن على بروكسل أن تثبت على موقفها الجديد من الملف الإيراني، وإلا فإن مصداقيتها قد باتت على المحك بعد تصريح بوريل القاطع. فهل تملك أوروبا أن تمثل رغبة جامعة ومغادرة دور الرديف في هذا الملف تحديداً والمقتصر على تحفيز الأطراف الرئيسية (واشنطن، موسكو وبكين) على الاستمرار في عملية التفاوض من خلال ملف إيران النووي وملحقاته الشرق أوسطية.

فأوروبا الآن أكثر الأطراف استنزافاً، وتمر بحالة متعاظمة من عدم الاستقرار نتيجة ما تقدم، ذلك بالإضافة لاتساع رقعة عدم الاستقرار في دول الساحل الأفريقية (غرب أفريقيا) وتأثير ذلك على أمن حوض المتوسط. إيران كانت أكثر المنتفعين من استراتيجية «الاسترضاء الجمعي» من قبل جميع الأطراف، إلا أن الشرق الأوسط وأوروبا كانا أكثر الأطراف تضرراً جراء ذلك. ويحضرني نقاش دار بيني ودبلوماسيين أوروبيين حول المسار الواجب اتباعه لتخليق مقاربة أوروبية شرق أوسطية أكثر واقعية وقادرة على نقل العلاقة بينهما لمستوى للتكافل الاستراتيجي.

ربما تأخرت أوروبا كثيراً في رسم مسارها الخاص أولاً تجاه أمنها الاستراتيجي. أما ثانيهما، فهو فشلها في إدراك دور يتجاوز تاريخها الاستعماري وتبعيتها لواشنطن بعد نهاية الحرب الباردة.

حلفاء أوروبا العرب أعربوا عن قابلية تطوير مبدأ التكافل الاستراتيجي من خلال موقفهم في أزمة شرق المتوسط، حتى وإنْ خالف ذلك الموقف الأميركي منها، ويتعين على أوروبا النظر بعمق لحجم التحول الاقتصادي في منظومة أكبر الاقتصادات العربية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) بواقعية. فدورهما المتعاظم جيواقتصادياً هو الواقع القابل للبناء عليه في تخليق التكافل الاستراتيجي المنشود أوروبياً وشرق أوسطياً، معطوفاً عليه واقعه الجديد نتيجة المواثيق الإبراهيمية.

وقد أثبتت الأزمة الأوكرانية حيوية مصادر الطاقة من الخليج العربي والمتوسط في إيجاد بدائل مستدامة لأمن الطاقة الأوروبي. مصالح أوروبا الاستراتيجية تحتم إعادتها لتقييم موقعها لا موقفها من الملف الإيراني، وحتى إيران ستكون في حاجة لموقف أوروبي أكثر استقلاليه من دور الوسيط بالنيابة عن الكبار.

فقد يدفع ذلك بطهران لمعاودة تقييم موقفها ليس فقط من ملفها النووي، بل جملة سياساتها شرق أوسطياً. فالبراغماتية العربية بقيادة السعودية والإمارات أسهمت في التعبير عن رؤية لشرق أوسط أكثر استقراراً وتكافلاً، والدور الآن على أوروبا لإثبات قيمة التكافل الاستراتيجي وإقفال ملف استنزافها السياسي على حساب مصالحها ومصالحنا.

* كاتب بحريني