عدد البشر يتغير كلما وَلدت امرأة، وثمة موقع إلكتروني يحسب سكان العالَم لحظة بلحظة، وحين ولجته كان العدّاد البشري يتقافز أمام عيني بحيث لم أتمكن من الوقوف على رقم معين، وآخر ما استطعت أن ألمحه كان 7,963,186,420 إنسان. 
أما عدد الدول فلا يتغير إلا بعد مخاض عسير طويل على شكل حرب أو سلام بين دول، أو انهيار أو تفكك دول، وعدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 193 دولة، وثمة مَن يقول إنّ العدد غير محدد في ظلّ أن بعض الدول لا تعترف ببعضها الآخر، وعدد الدول على أي حال لا يزيد على 206 دول. 
الفارق إذن هائل بين عدد البشر وعدد الدول، بحيث يستعصي الفارق على مجرد تصوّر الرقمين جنباً إلى جنب، وهكذا تصل خيارات الفرد الواحد في علاقاته مع الأفراد الآخرين إلى المليارات، أما خيارات الدولة في علاقاتها مع الدول الأخرى فبالكاد تصل إلى المئات. 
لذلك قد يوبّخ الأبُ ابنَه قائلاً: ألم تجد شخصاً غير هذا تتخذه رفيقاً لك؟ وقد تقول الأم لابنتها تواسيها بعدما فشل زواجها من أحدهم: ألف رجل آخر يتمناك. لكن لا يمكن أن يقال لدولة ساءت علاقتها بدولة أخرى: ألف دولة أخرى تتمنى إقامة علاقة بك. 
وإلى جانب أنّ خيارات الدول في علاقاتها بعضها ببعض محدودة، فهي أيضاً محدّدة في نطاق جغرافي، بحيث تصبح الخيارات قليلة، فالعلاقات التجارية بين دولة في أقصى الشرق مع دولة في أقصى الغرب عصية على التطوّر لاعتبارات كثيرة، أهمها الكلفة الاقتصادية من حيث النقل والشحن والتأمين وغيرها. 
والعلاقات الأمنية تستدعي وجود تحديات أمنية مشتركة، والتحديات التي تواجه هذا الإقليم تختلف عن تلك التي تواجه إقليماً آخر، وغالباً أهل الإقليم الواحد يواجهون تحديات واحدة، كالهجرة غير الشرعية، ووجود التنظيمات الإرهابية. 
وهذا الوضع الذي تجد الدول نفسَها فيه لا يقارن حتى بالوضع داخل الأسرة الواحدة، فالفرد في الأسرة يمكنه لو شاء أن يمضي في حال سبيله بعيداً عن الآخرين، بينما الدول لا تستطيع أن تتزحزح من مكانها والانتقال إلى قارة أخرى أو كوكب آخر. 
وهكذا تصبح الدولة الواحدة محكومة في علاقاتها بعدد محدود من الدول، غالباً تقع في محيطها، اللهم إلا الدول العظمى أو الكبرى التي توجد بشكل أو بآخر في أجزاء كبيرة من العالم، سواء بالوجود العسكري كالولايات المتحدة، أو بالوجود التجاري كالصين. 
وأمام هذه الحقيقة لا تمتلك الدول ترف انتقاء مَن تدخل معها في علاقات سياسية وتبادل منافع ومصالح مشتركة، على عكس البشر الذين يملكون عدداً لا يحصى من الخيارات في التعامل مع الآخرين، بحيث لا يمكن معه قياس الناس بالدول. 
وربما كان هذا الوضع هو الذي أوجد فكرة «الأصدقاء الأعداء» بين الدول، وهي الفكرة غير المقبولة بين الأشخاص، لكنها مقبولة وضرورية بين الدول، فلا توجد دولتان تتطابق مواقفهما في كل الملفات دائماً، نظراً لاختلاف مصالحهما، وتوجد الكثير من علاقات الأصدقاء الأعداء بين الدول، فأنت صديقي في هذا الملف، وعدوي في ذلك الملف، وهذا لا يكون بين البشر.

كاتب إماراتي