هل ستشهد تونس الاستقرار بعد إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد؟ سلسلة إجراءات اتخذها الرئيس قيس سعيد خلال سنة واحدة تقريباً، والتي انتهت بإجراء انتخابات على الدستور الجديد الذي صوّتت عليه الأغلبية الساحقة بنسبة 94% حسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. والتونسيون المؤيدون للدستور الجديد عبروا عن فرحتهم بالنتائج المعلنة، وهو ما من شأنه أن يضفي الشرعية الشعبية على الخطوات الإصلاحية التي يقوم بها الرئيس سعيد. وبالرغم من كل الحملات التي شنتها وتشنها المعارضة؛ إلا أن تونس - عقب الاستفتاء على الدستور الجديد - دخلت رسمياً عهداً جديداً.
زعيم حركة «النهضة» التونسية راشد الغنوشي وأنصاره من قوى المعارضة الأخرى وصلتهم الرسالة التي تؤكد أن النتيجة عبرت عن الإرادة الشعبية المناهضة لهم ولكل حركة متطرفة، وهي – أي النتيجة – هي التي جعلت دولاً غربية ومنظمات دولية تعلن عن ترحيبها بنتائج الاستفتاء، وتشيد بالأجواء التي جرت فيها عملية التصويت مع تقديم التهنئة للشعب التونسي على المظهر الحضاري الذي تمت فيه.
وعلى الرغم من الانتصار الذي حققته تونس إلا أن الحذر واجب، فالمعركة لم تنتهِ برأيي، والتحديات التي سيواجهها الرئيس سعيد وحكومته كبيرة. إن البعض يحاولون عرقلة الخطوات الإصلاحية التي يقوم بها الرئيس، ومن بينها تحسين منظومة الخدمات المقدمة للمواطنين، وذلك في وقت تعاني فيه تونس من ظروف قاهرة بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، ثم تبعات الحرب الروسية الأوكرانية. فالتضخم الاقتصادي يرتفع بنسبة 8.1% سنوياً، ونسبة العاطلين عن العمل وصلت إلى 15.5%، إلى جانب النقص الحاد في المواد الغذائية، والتدهور المستمر لقيمة لدينار التونسي.
كل الظروف التي تعيشها تونس وتحيط بها تعقّد الوضعين الاقتصادي والاجتماعي فيها أكثر، وتلقي بظلالها على حياة المواطن الذي يعاني كثيراً لتأمين مستلزمات الحياة في أبسط أشكالها، وبالتالي سيكون على الرئيس سعيد والحكومة تحمّل صعوبات المرحلة القادمة من أجل استكمال خطة الإصلاح، وسد الطريق على القوى التي تحاول إفشاله.
يبدو أن الرئيس سعيد عازم على كسب المعركة لمواجهة كل القوى التي تحاول إغراق تونس في وحل الخلافات والانقسامات، وخصوصاً جماعات الإسلام السياسي، وتلك بلا شك مسألة تتطلب من جميع القوى المناهضة للإسلام السياسي أن تتفق على كيفية إجهاض المشروع الذي يهدد أمن واستقرار تونس، وآلية تنفيذ الخطط التي من شأنها أن تنعش تونس وتعيد إليها الأمان الذي يحلم به التونسيون.
ما مرت به تونس منذ اثني عشر عاماً كان كفيلاً بتحويلها إلى بؤرة. لكن الإرادات السياسية المتزنة -والتي تعمل لصالح تونس وأهلها- تحاول جاهدة إنقاذ المشروع الوطني مثلما تحاول إسقاط التحالفات التي كانت وما تزال تخطط لربط القرار التونسي بقوى خارجية والذي لن يؤدي في النهاية إلا لجر تونس إلى خراب دائم.
المطلوب اليوم من جميع القوى التي تعمل من أجل تونس فقط أن تتفق على رؤية واحدة، ورسالة واحدة، وأهداف إنقاذية للحياة التونسية وعلى مختلف الصعد. ولعل التونسيون اليوم هم أشد حاجة للعمل على تمكين الدستور التونسي الجديد، وتعزيز صلاحيات الرئيس سعيد، من أجل الوصول إلى استقرار الدولة والحفاظ على مؤسساتها. 

لقد اكتوى أبناء تونس طيلة السنوات الماضية بنار الصراعات السياسية في الحكم ممثلاً بالرئاسة والحكومة ومجلس النواب، وهو ما جعل تونس تخفق في تحقيق انتعاش اقتصادي يحسن حياة المواطنين. لكن إذا تم دعم نظام الحكم الحالي بما يملك من عزيمة لإفشال المشاريع «الإخوانية»؛ فإن الأمن والاستقرار هما أول النتائج التي ستحصدها تونس بلداً وشعباً.