يا إلهي.. إنه لشئ مذهل حقًا، إنّ من أطلق اسم «النجوم» على كبار المشاهير، كان عبقريًا للغاية، فرحلة «النجم البشري» هى تمامًا رحلة «النجم الكوني»، ونهاية النجميْن واحدة بشكل يثير الدهشة! تلمع نجوم الكون لعدد كبير جدًا من السنين، وهى تتألق في مراحل الذروة تألقًا كبيرًا. ولكن بعد حقبة التألق هذه.. يكون النجم قد استنفد أكبر قدر من طاقته، ويبدأ وقوده في النفاد.

ما إنْ ينفد وقود النجم حتى ينخفض الضغط، ويحتضر النجم، وفي مرحلة الاحتضار يتمدّد ثم يتمدّد إلى أن ينفجر، وبعد الانفجار ينتج كمٌ كبيرٌ من الحطام والجزيئات. ويُطلق العلماء على انهيار النجوم «السوبرنوفا» أو «المستعر الأعظم».

إنها بالضبط رحلة النجوم البشرية في عالمنا، نجوم الفن والرياضة والسياسة.. الذين يملؤون الدنيا حضورًا ووهجًا، ثم يبدأون رحلة النهاية، كما تنطفئ نجوم السماء، إذ ينفد الوقود الإنساني، وتنهار الطاقة، ويذبل الحضور، ويترهل النجم حتى يصل إلى نهاية الطريق! إن «السوبرنوفا» ليست إذن ظاهرة كونية فحسب، بل هى ظاهرة إنسانية أيضًا، بعد الصعود يبدأ الهبوط، وبعد الاكتمال يبدأ النقصان، وبعد الإضاءات يحلّ الظلام.

لقد انبهرتُ، كما انبهر الملايين حول العالم، بتلك الصور الرائعة التي يرسلها التلسكوب الأسطوري جيمس ويب، والتي من بينها صورة ذلك المستعر الأعظم.. النجم الذي انفجر وتلاشى، على بعد ثلاثة مليارات سنة ضوئية من الأرض. تأتي هذه الصورة المثيرة بعد أيام من أشهر صورة تم التقاطها لتاريخ الكون، وهى الصورة التي أهدتها وكالة ناسا للعالم، وقام بتقديمها الرئيس جو بايدن.

يقدِّر العلماء عُمر الكون بنحو (13.8) مليار سنة، وقد نجح التلسكوب «جيمس ويب» في التقاط صورة رائعة لمجرة عمرها (13.5) مليار سنة، أى أن الصورة تعود إلى بدايات نشأة الكون، وبعد الانفجار العظيم بنحو (300) مليون سنة فقط! إن صورة المجرة هذه ليست صورتها الآن، ولكنها صورتها قبل (13.5) مليار سنة. ولتبسيط الأمر.. فإن سرعة الضوء هى (300) ألف كم في الثانية، وحيث أن المسافة بين الأرض والقمر هي (380) ألف كم، فإن الضوء يستغرق ثانية وثلثا ليصل من القمر إلى الأرض، كما أنه يستغرق (8) دقائق للوصول من الشمس إلى الأرض.

إننا لا نرى الأشياء إلا بناءً على وصول الضوء، وعلى ذلك فإننا نرى القمر بعد ثانية من حالته الحقيقية، ونرى الشمس بعد (8) دقائق من حالتها الحقيقية. وحين نرتدي نظارتنا الشمسية ونحملق في الشمس.. فإننا لا نراها الآن، بل نراها كما كانت قبل (8) دقائق. وهكذا.. فإن صورة أقدم مجرة كانت قائمة وقت «فجر الكون» لا نراها كما هي الآن، بل كما كانت قبل (13.5) مليار سنة. الأمر يشبه أن ترى الآن صورة لوالد جدّتك وهو طفل رضيع، لكنه ليس كذلك الآن، ولكنه كان كذلك قبل مائة عام. يا إلهي.. ما أعظم خلقك. شكرًا للذين يضيئون حياتنا بمتعة العلم، وروعة المعرفة. سلِمتْ عقولهم.

* كاتب مصري