مشاهد يندى لها جبين الديمقراطية تناقلتها وسائلُ الإعلام مع اقتحام جموع المتظاهرين المؤيدين للتيار الصدري، للمرة الثانية خلال ثلاثة أيام، مقرَّ مجلس النواب العراقي في المنطقة الخضراء.

وقد استبدل التيارُ الصدري نوابَه الـ73 المنتخبين بمتظاهرين اعتصموا على مقاعد البرلمان وافترشوا مكاتبه رافعين صور مقتدى الصدر، ومرددين شعارات مناهضة لنوري المالكي ولائتلاف «الإطار التنسيقي» وإيران وأميركا على حد سواء، فيما أعلن التيار الصدري أن المتظاهرين الذين اقتحموا البرلمان باشروا «اعتصاماً مفتوحاً داخله»، في مأتم سياسي للديمقراطية التي جلبتها الدبابات الأميركية عام 2003 وباركتها إيران وتمخضت عن دستور 2005 الذي كرس المحاصصةَ الطائفيةَ عبر توزيع للسلطة على رئاسات ثلاث؛ كردية وشيعية وسنية، لتتحول الدولة الوطنية ومؤسساتها إلى كعكة مقتسمة بين العصبيات. إنها الديمقراطية الطائفية في أوضح صورها.

وفي استعراض جديد لقوة التيار الصدري، اقتحم المئات من مؤيديه، يوم الأربعاء الماضي، مبنى البرلمان، رفضاً لمرشح «الإطار التنسيقي» الوزير والمحافظ السابق محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء، إذ يَعدُّه الصدرُ مرشحَ المالكي. واحتل المتظاهرون مبنى مجلس النواب وراحوا يغنون ويرقصون ويلتقطون الصور، ومن ثم نشر زعيم التيار، مقتدى الصدر، تغريدةً دعا فيها مناصريه إلى الانسحاب، قائلاً: «ثورة إصلاح ورفض للضيم والفساد، وصلت رسالتكم أيها الأحبة، فقد أرعبتم الفاسدين... عودوا إلى منازلكم سالمين».

احتل مؤيدو الصدر البرلمان، وحاصروا المجلس الأعلى للقضاء، وحاولوا اقتحام وزارة الدفاع بجرافة.. وذلك وسط أزمة سياسية معقدة يعيشها العراق منذ تسعة أشهر.

بعد فشل البرلمان المنتخب في أكتوبر 2021 في تشكيل الحكومة، وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وتنازع الكتل البرلمانية الشيعية على منصب رئيس الوزراء، حيث لم تفضِ المحاولات والمفاوضات للتوافق على تسمية رئيس للحكومة إلى أي نتيجة.. تصاعدت الدراما العراقية مع مشهد انسحاب الكتلة الأكبر في البرلمان، وهي كتلة «التيار الصدري». ونتيجة لهذا الانسحاب أدى 64 نائباً جديداً اليمينَ الدستوريةَ في يونيو الماضي، ما جعل تحالف «الإطار التنسيقي» أكبر كتلة في البرلمان، ليعلن اختيار محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.

وكان المشهد الختامي للديمقراطية العراقية اقتحامَ البرلمان من قِبل الكتلة «المنسحبة»، اعتراضاً على تشكيل الحكومة، حيث جاءت رسالة الصدر واضحةً لخصومه السياسيين من «الإطار التنسيقي»، وخلاصتُها أنه لاعب أساسي في المشهد السياسي العراقي، وبأنه قادر على إسقاط النظام إذا ما اضطر لذلك، رغم أن تياره لم يعد ممثلاً في البرلمان! واليوم يبدو العراقُ كدولة ملغومة من الداخل بسبب الخلافات والصراعات السياسية جراء نظام المحاصصة الطائفية الذي تَكرَّس عبر سنوات من هندسة المحتلين الأجانب ومؤيديهم للبلاد، وما أحدثه ذلك من تمزق للنسيج الوطني العراقي.

واليوم، رغم اصطفاف التيار الصدري إلى جانب نشطاء انتفاضة أكتوبر 2019، مما قد يخفف غلو التجاذب الطائفي، ويمنح الصراع بين السلطة والمعارضة طابَعَه الوطني والسياسي الجزئي، فإن اللعبة السياسية في العراق تظل طائفيةً حتى لو انشقت طائفة على نفسها واصطف قسمٌ منها مع طائفة أخرى!

* كاتبة إماراتية