ما يحمله المتطرف من آراء وأفكار ومشاريع أساسه التصوّر الحدي لشؤون الدنيا والدين، عدم تسيير عناصر النقاش والحوار والشك في الموضوعات التي يحملها يجعله يصل إلى حدٍ أقصى في تصوّر الحقيقة وإجبار الآخرين عليها، كتاب سيد قطب:«معالم في الطريق» مثال واضح وفصيح على هذه الحدية الشرسة، لقد عدتُ إلى الكتاب مؤخراً فوجدته ينضح بالكراهية والسخط والقول العنيف في مضوعات الدين.

ومن يتصفّح أيضاً كتاب:«في ظلال القرآن» لسيّد قطب يعرف كيف استطاع استعمال الآيات والنصوص من أجل إثبات جاهلية المجتمع المسلم، وكيف وضع «المنفيستو» للحاكمية، لذلك لا غرابة أن يستعمل تنظيم «داعش» أقوال سيد قطب على اليافطات والجدران في مناطق نفوذهم في العراق وسوريا. بالتصوّر المطلق للأفكار ينتهي «الحس السليم» للإنسان، هذه من أوصاف الفيلسوف الإنجليزي ديفيد هيوم للتطرف المسيحي في القرن الثامن عشر ضمن كتابه:«مبحث في الفاهمة البشرية»، يكتب هيوم:«بأي تعطش تستقبل حكايات المسافرين المدهشة. وأوصافهم للمسوخ البحرية والبرية، ورواياتهم عن المغامرات المدهشة والغريب من البشر والعادات غير المألوفة؟ لكن إذا ما اتصلت الروح الدينية بحب المدهش فتلك نهاية الحس السليم.

أما الشهادة البشرية فتفقد، في هذه الحالة كل أملٍ بالمرجعية. فبوسع المتطرف دينياً أن يكون حماسياً ويتصور رؤية ما لا حقيقة له، وقد يعرف أن ما يرويه كاذب ويثابر مع ذلك عليه، مع أفضل النوايا بالعالم بهدف تعزيز قضية بالغة القداسة، بل حتى عندما لا يكون هناك مجال لهذه الخدعة، فإن الغرور المثار بمثل هذا الإغراء القوي، يفعل بالمتطرف بطريقةٍ أقوى مما يفعل في سائر الناس في ظروفٍ أخرى».

المتطرفون المسلمون ينقسمون إلى قسمين، أولهما: المتطرف بطيء الصبر، الذي يحمل سلاحه ويعطي من أمامه خيارين إما أن تحمل أفكاري وإما أن أقتلك، وهذه مثاله «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» و«بوكو حرام»، والقسم الثاني: المتطرف العنيف ولكنه المسيّس الذي يحمل مشروعاً للوصول إلى الحكم، وقد يصبر بل وربما قدم تنازلات لتفهم بعض السلوكيات الأخلاقية كما فعلت حركة «الإخوان» و«حماس» وحركة «النهضة»، هؤلاء يريدون الوصول إلى الحكم أولاً ثم من بعد ذلك الإفصاح عن عملهم الإرهابي، كما فعلت حركة «النهضة» بتونس حيث قبض على تنظيم سري تابع بشكلٍ مباشر للحركة، ويهدف إلى اغتيال رؤساء ووزراء وصحفيين ونواب، ولديهم جناح للتفجير والتفخيخ، هذا القسم الثاني أكثر خطورةً من تنظيم «داعش» بل هو مرجع «داعش» و«القاعدة» أيديولوجياً، قل مثل ذلك عن تنظيم حزب الله في لبنان الذي بقي مهادناً في الداخل طوال عقود، ولكنه حين تمكّن من السلطة باشر قتل الصحفيين ورؤساء الوزراء والمثقفين والنواب ورجال الأمن.

الفكرة أن المتطرف فاقد للحس السليم بسبب المحتوى الضخم الذي يحمله من أفكار ثورية، ولذلك لا يمكن اعتبار المتطرف بوارد النقاش والحوار، قد يهادنون ويتنازلون للخروج من السجون، ولكنهم سرعان ما يعاودون النشاط الأشرس المتراوح بين القتل وبين توظيف الإسلام السياسي وليّ أعناق النصوص الدينية.

*كاتب سعودي