أُثير ويُثار الكثير من التساؤلات حول التجربة التنموية الإماراتية، لما حققته من تقدم ملحوظ في كافة المجالات، مما يعني أن لها خصوصيات يمكن الاستفادة منها إذا ما توفرت الإرادة والإدارة لتحقيق ذلك.

وفي هذا الصدد جاءت كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، للمواطنين والمقيمين، لتجيب على هذه التساؤلات بوضوح وتشير إلى أهم التوجهات المستقبلية التي ترمي إلى البناء على هذه التجربة واستكمال مقوماتها وتطويرها بما يتناسب والتغيرات التكنولوجية والاقتصادية والجيوسياسية، والتي تتطلب بدورها ضرورةَ التأقلم معها، بما يتناسب والمصالح الوطنية للدولة وتطلعاتها في التقدم وبناء اقتصاد قائم على هذه الأسس.

وسنحاول هنا الإشارة إلى بعض الجوانب الخاصة بالتجربة التنموية الإماراتية والتي وردت في هذه الكلمة الشاملة.

وأول هذه الخصوصيات تكمن في نمط القيادة الميدانية الذي أرساه المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ قيام الاتحاد، ولعب دوراً كبيراً في نجاح تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ففي الوقت الحالي، كما في السابق، نلاحظ المتابعةَ الميدانيةَ اليوميةَ من جانب رئيس الدولة ونائبه وحكام الإمارات، ليس لتوجيه التعليمات من بعيد، وإنما الوقوف الميداني على مدى الالتزام بتنفيذ الرؤى والمشاريع وفق ما تم التخطيط له وفي أوقاته المحددة، مما يفسر حجم المشاريع المنجزة ونوعيتَها وشموليتَها لكافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ومحاسبة مَن يثبت تقصيره في أداء المهام والواجبات وسرعة معالجة المشاكل ميدانياً كذلك وبأسرع وقت.

وهذه المتابعة الميدانية قلَّما يوجد لها مثيلٌ، وهي تعد أحد أهم أسباب نجاح التجربة الإماراتية، إذ لا تنمية حقيقية في ظل غياب القيادة الميدانية على أعلى المستويات، وهو ما أكد عليه صاحب السمو من خلال استمرار هذا النهج وهذه الرؤية، مضيفاً «أن الدولةَ حققت إنجازاتٍ نوعيةً واستثنائية، ولكن طموحاتنا أكبر بكثير لتحقيق المزيد من الإنجازات»، مما يعني استمرار النهج السابق، والذي يتوقع أن يشكل تطبيقه نقلةً نوعيةً أخرى لتجربة البناء الإماراتية، بدليل إطلاق مشروع «سرب» الأسبوع الماضي لتطوير سرب من الأقمار الاصطناعية الرادارية.

أما ثاني هذه الخصوصيات، فتكمن في اعتبار أن الشعب هو محور أهتمام الدولة، وأن سعادة المواطن ورعايته لا تقتصر على رفع المستويات المعيشية فحسب، وإنما توفير الأسس اللازمة للتعليم وإكساب الشباب مهارات تكنولوجية ومعرفية جديدة تتناسب والتطورات التقنية المتسارعة، وهو ما يعتبر أحد أهم أسس التنمية، والتي تستكمل بِالدَور الذي يعلبه أصحاب المؤهلات المهنية من المقيمين، والذين توليهم الدولة اهتماماً خاصاً، باعتبار مساهماتهم جزءاً أساسيا من المتطلبات التنموية التي لا غنى عنها.

ويأتي تنوع الاقتصاد، كثالث هذه الخصوصيات، حيث يعتبر الاقتصاد الإماراتي الأكثر تنوعاً بين الاقتصادات الخليجية، وهو يسير نحو المزيد من التنوع من خلال تأكيد ما جاء في الكلمة، باعتبار أن تنويع الاقتصاد ضرورة استراتيجية للتنمية، لذا من الضروري الإسراع في التنوع وتعزيز القدرة التنافسية واتباع أفضل الممارسات في مجال العلوم والتقنيات لتنمية جميع القطاعات، مما يعني أن هذا التوجه سيكون له دور مهم في إثراء التجربة التنموية بدولة الإمارات.

وهناك أيضاً خصوصية تتعلق بالدور التنموي للقطاع الخاص الإماراتي والذي ستوليه الدولة، كما جاء في الكلمة، المزيدَ من الاهتمام، باعتبار دوره محورياً في التنمية، وهو ما يبشر بإمكانية تنامي دوره وبروز المزيد من رجال الأعمال والمستثمرين الإماراتيين، مما يعني تنمية العديد من القطاعات وتوفير المزيد من الوظائف، باعتبار القطاع الخاص شريكاً أساسياً في التنمية.

وأخيراً، فإن إقامة وتطوير الشراكات الاقتصادية مع الدول الأخرى أضاف الكثيرَ للخصوصية التنموية في الدولة، باعتبارها مكملاً للتغيرات المحلية، حيث حققت الإمارات تقدماً ملحوظاً أتاح جذبَ استثمارات كبيرة وزيادةَ الصادرات المتزامن مع تنويع مصادر الدخل، مما ساهم في رفع معدلات النمو وتنامي الناتج المحلي الإجمالي. إذن، تقف الإمارات أمام تحول نوعي آخر حددت معالمَه من خلال هذا النهج الذي رسمت خطوطه بوضوح في هذه الكلمة، مما سيكسب التجربة الإماراتية بعداً إقليمياً وعالمياً جديداً، وسيساهم في ارتقاء دولة الإمارات لمراتب أعلى بتجربة تنموية تزداد ثراءً وقوةً.

*خبير ومستشار اقتصادي