في عام 1939 قال أدولف هتلر: «إنني أحتاج إلى أوكرانيا حتى لا تُستعمل مرة ثانيةً في تجويعنا كما استُعملت في الحرب الأخيرة»، وهو يقصد الحرب العالمية الأولى. بدأ العالم يستخدم السلاح الاقتصادي من خلال المقاطعة مع بداية تلك الحرب.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وتفكّكت الإمبراطورية النمساوية الهنغارية، سجّل المؤرّخون وقائعَ مذهلة نتيجةً للمقاطعة. منها على سبيل المثال جمع كل الساعات اليدوية والمنزلية من الأيدي ومن المنازل في تشيكيا، من أجل تذويبها والحصول على ما فيها من معادن.

وحتى في العاصمة فيينا، درّةَ الإمبراطورية، كان المولود حديثاً يُحمل في بقايا أوراق الصحف لتعذّر الحصول على الشراشف والأغطية. وفي عام 2010، واستناداً إلى إحصاءات الأمم المتحدة، فإن ثلث شعوب العالم كانت تعاني من العقوبات الاقتصادية. غير أن استعمال هذا السلاح أقدم من ذلك بكثير.

فخلال حرب المائة عام في أوروبا، تمكّن الإنجليز من فرض حصار على القوات الفرنسية «حتى الموت أو الاستسلام». وكان السلاح الاقتصادي جزءاً من آلة الحرب. وكان جزءاً أساسياً وما يزال. ساعد على ذلك أولاً إنشاء عصبة الأمم (1919 – 1920)، ثم الأمم المتحدة، والتحالفات الدولية، بحيث أن سلاح المقاطعة والعقوبات الاقتصادية أصبح سلاحاً جماعياً منظماً ضد دولة أو مجموعة دول مستهدَفة، مما يعمّق آثاره ومفاعيله.

وفي عام 1935 (عندما كانت إيطاليا الفاشية متحالفة مع ألمانيا النازية)، فُرضت العقوبات الاقتصادية على الصناعات الإيطالية: السيارات (فيات)، والعجلات (بيرللي). وفي عام 1941 قطعت المقاطعةُ صلاتِ اليابان مع العالم، فحُرمت اليابان من 90 بالمائة من وارداتها الخارجية، كما حُرمت من 70 بالمائة من عائداتها المالية.

ويقول أحد المسؤولين الإنجليز، وهو وليم ارنولد: «إننا نستخدم العقوبات حتى نجعل من أعدائنا يتمنّون لو أنهم لم ينجبوا أطفالاً». ومع ذلك فان العقوبات الاقتصادية لم تنجح دائماً في تحقيق الغاية المنشودة من ورائها. كانت ألمانيا تخضع للمقاطعة عندما استولى هتلر على الدولة، لكن هذه المقاطعة لم تمنع النازيةَ من شنّ الحرب العالمية الثانية.

والواقع أن بريطانيا في ذلك الوقت لم تشأ استخدام سلاح المقاطعة ضد ألمانيا، لأن المصارف البريطانية كانت صاحبة معظم الديون المالية المستحقَّة على ألمانيا. والمقاطعة في تلك الظروف كانت تعني وقف تسديد الديون الألمانية للمصارف البريطانية، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد البريطاني.. وبذلك تنتقل أوجاع المقاطعة من برلين إلى لندن! حاولت اليابان في عام 1930 إقامة تجمّع مالي أطلقت عليه اسم «كتلة الينّ» (اسم الوحدة المالية اليابانية)، وقد ضمّ إلى جانب اليابان نفسها، كلاً من كوريا وتايوان.. لكن دون جدوى.

وفي الوقت ذاته حاولت ألمانيا إقامةَ تكتّل حول مبدأ «حرية استيراد وتصدير المواد المعدنية الخام»، وذلك للالتفاف على العقوبات، وعلى أمل إنتاج الطاقة (النفط) من بعض هذه المواد. لكن دون جدوى أيضاً. لقد أدّى استخدام سلاح العقوبات إلى تعميق الانقسامات بين دول العالم، بل زادها تشرذماً وانقساماً، فكانت الحرب العالمية الثانية. وباستثناء السلاح النووي (الموضوع خارج الاستعمال)، هناك ثلاثة أنواع من الأسلحة الفتّاكة: الصواريخ، الطاقة (النفط والغاز)، والحصار الاقتصادي. ومن الملاحظ أن هذه الأسلحة الثلاثة لم تلوِ ذراعَ صاحب القرار السياسي في أي من الجبهات المتقاتلة، قديماً وحديثاً.. لكنها أثبتت قدرتَها الفائقةَ على التأثير.

*كاتب لبناني