بعد اضطرابات داخل حزبه وأحداث مشوقة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في السابع من يوليو الجاري، استقالته من منصب زعيم حزب المحافظين. وسيظل رئيساً للوزراء حتى يتم اختيار خلف له، لكن فترة ولايته في 10 داونينج ستريت ستنتهي على الأرجح في أوائل سبتمبر.

وظل مستقبل جونسون محل شك لعدة أشهر نتيجة أزمات كثيرة تعلقت بسلوكه أثناء إغلاق جائحة «كوفيد-19» وبنمط إدارته لمجلس وزرائه. وفي نهاية المطاف، لم يكن لدى جونسون خيار سوى التخلي عن المنصب بعد استقالات درامية لما لا يقل عن 50 من كبار أعضاء حكومته في الأيام التي سبقت قراره بالمغادرة.

وخلال الأسابيع القليلة المقبلة، سيختار أعضاء الحزب المحافظ زعيماً يحل محل جونسون. وفي الوقت الحالي، لا يوجد شخص متفق عليه، وبالتأكيد لا يوجد أحد لديه ميل جونسون للدرامية ولا فعاليته في الحملات.

وسيتذكر البريطانيون جونسون باعتباره سياسياً حيوياً غريب الأطوار وألمعياً في كثير من الأحيان. فقد شغل منصب عمدة لندن لفترتين، وعمل لفترة قصيرة كوزير للخارجية في عهد رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ثم خاض حملتَه وفاز بقيادة «حزب المحافظين» بعد استقالة ماي لأسباب تتعلق بمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت). وقاد جونسون المحافظينَ ليفوز بالانتخابات التشريعية لعام 2019.

وحقق هذا من خلال إقناع عدد كبير من أنصار «حزب العمال» التقليديين بالتصويت له، وهذا يرجع في جانب منه إلى أن خصمه، اليساري المتشدد، جيرمي كوربن، لم يكن يحظى بشعبية، ولأن جونسون وعد بإتمام اتفاق بريكسيت الذي من شأنه إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لكن بعد فترة وجيزة من تدعيم مكانته كرئيس وزراء قوي يتمتع بأغلبية كبيرة في البرلمان، واجه جونسون، ومعه البلاد كلها، اندلاع جائحة كورونا وحالات الإغلاق التي تلت ذلك. وكان الإغلاق صارماً في بريطانيا بشكل خاص. وتم تقييد التجمعات العائلية، ولم يتمكن الأقارب من زيارة أفراد أسرهم قبل وفاتهم في المستشفيات.

لكن خلال هذه الفترة، اتسم سلوك جونسون بالازدواجية، كما قال منتقدوه، إذ أقر بأنه حضر حفلات في المكاتب الحكومية كانت صاخبةً. وأثارت ردود جونسون المراوغة بشأن ظهوره في هذه الأماكن والأنشطة احتجاجاتٍ كبيرةً في جميع أنحاء البلاد، مما أدى أطلق دعواتٍ من أجل استقالته.

وقد نجا من تلك الأزمة في حينه، لكنه واجه تصويتاً بحجب الثقة من أعضاء حزبه. وفي السادس من يونيو، فاز في التصويت بأغلبية 211 صوتاً مقابل 148 صوتاً، وهي أرقام تعَدُّ الأسوأ من نوعها في التاريخ السياسي البريطاني، لذا أصبح يعلم بأن قبضته على السلطة تتزايد ضعفاً.

وجاءت حرب أوكرانيا لتمنح جونسون فرصةً لاسترداد مكانته من خلال تقديم بريطانيا كقائد قوي ضد روسيا بزعامة بوتين. وقد رأى فيه كثيرون، بمن فيهم الأوكرانيون، أنه داعمٌ أكثر فاعلية من نظرائه الأوروبيين في فرنسا وألمانيا. صحيح أن كثيرين في بريطانيا أيدوا الموقف القوي الذي اتخذه رئيس وزرائهم تجاه أوكرانيا، لكن هذا لم يكف للتغلب على الاستياء المتصاعد ضد أسلوبه في القيادة الذي تضمن تصريحات كثيرة مريبة أمام البرلمان اعتبرها كثيرون أكاذيب.

وجاءت الذروة حين نفى أي علم له بأن أحد كبار مسؤوليه في البرلمان كان له سجل سابق في السلوك المسيء للشباب. والحقيقة أنه كان يعرف الحقائق لكنه أخفاها وحاول التعمية عليها. وفي نهاية المطاف، قضت مشكلات شخصية على قيادة جونسون.

ومن المدهش أنه ظل في وظيفته لأكثر من ثلاث سنوات. لكن تأكدوا من أنه لن يغادر المسرح نهائياً وبهدوء.

سيصبح بوريس مرة أخرى شخصيةً شهيرةً وكاتباً غزيرَ الإنتاج. سيكسب المال في دوائر المحاضرات. لكنه لن يتمكن أبداً من تحقيق حلمه في الشهرة والمجد الدولي الذي حصل عليه بطله العظيم، ونستون تشرشل. سيظل جونسون شخصية قادرة على تصدر عناوين الصحف، وقد حظي بفرصة لكي يحتل منصب رئيس وزراء بريطانيا، لكنه لم يحافظ عليها.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال انترست».