في الرابع من يوليو 2022، احتفلت أميركا بعيد ميلادها السادس والأربعين بعد المئتين. ففي مثل هذا اليوم من عام 1776، تمت الموافقة على إعلان الاستقلال عن التاج البريطاني ووقَّعه الكونجرس الذي كان يمثل حينذاك 13 ولاية أميركية في فيلادلفيا. والرابع من يوليو عطلة رسمية وعيد قومي.

وتقام الاحتفالات في كثير من المدن والبلدات والقرى، وتشمل مسيرات وحفلات واستعراضات ألعاب نارية في كثير من الأحيان. ويراد بهذا اليوم توحيد البلاد والابتهاج بنجاح الديمقراطية الأميركية. وكان من المأمول أن يكون العيد القومي لهذا العام مهماً بشكل خاص لأن التجمعات العامة بلغت مستويات ما قبل الجائحة، وزاد عدد الأميركيين الذين يسافرون، وهناك كثير من الطاقة المكبوتة للعودة إلى الوضع الطبيعي بعد عامين من الإغلاق.

لكن أميركا اليوم أقل اتحاداً من أي وقت مضى منذ السنوات التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية التي بدأت عام 1861. ففي عام 1858، تم ترشيح أبراهام لينكون ليكون المرشح «الجمهوري» لمجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية إيلينوي. وفي خطاب قبول الترشيح الذي ألقاه، قال العبارةَ الشهيرةَ المقتبسةَ من إنجيل مرقس: «إن انقسم بيت على ذاته، لا يقدر ذلك البيت أن يثبت».

وكان لينكون بهذا يشير إلى احتمال تعرض اتحاد الولايات المتحدة للخطر نتيجة حكم صدر عن المحكمة العليا عام 1857 وخلص إلى أن دستور الولايات المتحدة لا يكفل حقَّ المواطنة للأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي، سواء كانوا أحراراً أم مستعبدين. ويوصف قرار «سكوت-دريد» بأنه «أعظم جرح ذاتي» لأميركا. وفي وقت اتخاذ القرار، كانت الولايات المتحدة تفكر في توسيع نطاق الدولة لتشمل الأراضي الشاسعة التي تم الحصول عليها من فرنسا عام 1803 فيما عُرف باسم «شراء لويزيانا».

ودار الجدل الدستوري في الكونجرس الأميركي حول إن كان ينبغي للولايات الجديدة أن تبيح العبوديةَ كما تمارسها الولايات الجنوبية الأميركية، أم يجب أن يكون جميع المواطنين متساوين، شكلياً، كما كان الحال في الولايات الشمالية الأميركية. ومنح قرارُ «سكوت-دريد» إذناً للولايات الجديدة بأن يكون لها عبيد، وهذا كان أمراً غير مقبول للولايات الشمالية في الاتحاد.

وكانت هذه القضية المريرة أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى ملاحظة لينكون الشهيرة والحرب الأهلية. وفي يونيو 2022، قضت المحكمةُ العليا الأميركيةُ الحاليةُ، التي يغلب عليها القضاة المحافظون بواقع ست قضاة مقابل ثلاثة، بأن شرعية الإجهاض أمر تبت فيه الولايات وليس الحكومة الاتحادية. وألغى هذا الحكم قرارَ قضية «رو ضد وايد» التاريخي للمحكمة العليا لعام 1973 والذي نص على أن «دستور الولايات المتحدة يحمي عموماً حرية اختيار الإجهاض». وأثار هذا الحكم الجديد ضجةً في البلاد، وهو يوضح لكثيرين من الليبراليين أن قرارات المحكمة التي يغلب عليها المحافظون في المستقبل قد ترجع القهقرى بالمزيد من الحقوق الشخصية.

ومثل هذه التطورات، بالنسبة لأميركا الليبرالية، قد تعصف بسنوات من التقدم في حقوق الإنسان والحقوق الشخصية، وبالتالي فقد تُدخِل البلادَ في أزمة دستورية. وقد يصبح الانقسام بين ولايات ليبرالية أو «زرقاء» (مثل كاليفورنيا ونيويورك) وولايات محافظة أو «حمراء» (مثل تكساس وكانساس) انقساماً استقطابياً لدرجة قد تؤدي إلى العنف.

وقد لا تندلع حرب أهلية جديدة، لكن عدداً متزايداً من الأميركيين يعتقدون بإمكانية حدوث ذلك الشر. وفي تجل للانقسام داخل البيئة السياسية الحالية، والذي تضمَّن كذلك جدالاً مريراً حول القوانين المتراخية في امتلاك الأسلحة النارية، شهد العرضُ السنوي بمناسبة يوم الرابع من يوليو، أي «يوم الاستقلال»، في هايلاند بارك بولاية إيلينوي، إطلاق النار الجماعي رقم 307 في أميركا حتى الآن من العام الجاري.

وفي إطلاق النار هذا لقيّ ستة أشخاص حتفهم وأصيب أكثر من 20 آخرين بجروح خطيرة. وكان القاتل شاباً أبيضَ غاضباً، اشترى بندقيتَه وذخيرتَه بشكل قانوني.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال انترست»- واشنطن