أصبحت كليشة «ما يُقال في الانتخابات الأميركية، يبقى في الانتخابات الأميركية»، من الكليشيهات المفضلة عندنا نحن شعوب الشرق الأوسط. ومع أن كلمة «كليشة» نفسها تعنى في أحد معانيها «التعبير الذي أصبح مبتذلاً» بسبب التكرار المفرط، إلا أننا نتلذذ بترديدها بين الحين والآخر وكأنها تولّد معنى جديداً وساحراً في كل مرة!

نقول إن الأميركيين يقولون عنّا ويتقولون علينا في خضم سباقهم الانتخابي ما لا يفعلون، ونكتفي بذلك، من غير أن نتخذ مواقف حازمة تمنعهم من التعرض لنا في كل دورة انتخابية! في الحملات الانتخابية يقول «المرشح للفوز بتسمية الحزب أو المرشح للفوز بالرئاسة» ما يمليه عليه عرابو حملته الانتخابية.

يقول الكلام الكبير والمثير والخاص والمتحلل من أي أعباء قانونية. يتعرض لمنطقتنا بسوء في حملته الانتخابية ليثير في نفوس الناخبين المحتملين حماسة الوقوف ضد المنطقة. ويتحدث بسوء عن علاقتنا التجارية بأميركا ليجتذب لصفوفه كل من يتماس بشكل أو بآخر مع «اليمينية التجارية» سواء كان عاملاً على المنصات البترولية أو صانعاً ومسوّقاً لمنتجات أخرى. يفعل ذلك بشكل أوتوماتيكي ليفوز ليس إلا!

ليصعد ليس إلاّ على أكتافنا! مازلت أتذكر في عام 2008 كيف كان يتسابق مرشح الحزب «الجمهوري» الراحل جون ماكين ومرشح الحزب «الديمقراطي» باراك أوباما إلى النيل من حكومات وشعوب الشرق الأوسط ونفطهم الشرير، إلى درجة أن أوباما كان يعد الشعب الأميركي بالاستغناء التام عن النفط الخليجي في عام 2023.

لكن بمجرد عودة جون ماكين إلى مكانه السابق في الكونجرس وتحلله من ضغط الجماهير، عادت إليه «سكينته الوظيفية» وزار السعودية بوصفه «صديقاً» مرات عدة. ومثله فعل أوباما، إذ التزم بما في أضابير البيت الأبيض من توجيهات وخرائط، وجاء للرياض أكثر من مرة ولم يعد مجدداً إلى الحديث عن شر الشرق الأوسط كما كان يصفه.

ومثل ماكين وأوباما فعل دونالد ترامب وهيلاري كلينتون في العام 2016. ثم كانت أول دولة تستقبل ترامب بعد أدائه القسم هي السعودية. ومثل من سبقه فعل جو بايدن، وها هو يتهيأ لزيارة السعودية بعد أيام رافعاً شعارات المصلحة الأميركية والعلاقة العميقة والطويلة مع السعوديين. كلام انتخابات، هذا صحيح. و«ما يُقال في سباق الانتخابات، يبقى حبراً على ورق» هذا صحيح أيضاً.

لكن بات من الضروري أن نبني مواقف سياسية وإعلامية أكثر صرامة لننبه أصدقاءنا الأميركيين من خلالها إلى أن «اختلاق الأكاذيب» والحديث بسوء عن دول الشرق الأوسط المسلمة في الانتخابات الرئاسية قد يضر بالمصالح القومية الكبرى لبلادهم، وأن هذا «التوجه الكلامي المحموم» المبني على مفارقات «دينية وثقافية وعرقية» سيصعب بلا شك في المستقبل من التفاهمات السياسية التي تتم بين الساسة الأميركيين (وليس المرشحين) وحكومات دول المنطقة! السعودية والدول المسلمة في المنطقة قد تتفهم هذه الحال «الضد – ثقافية» بعض الوقت في الانتخابات الأميركية، لكن من المؤكد أنها لن تتفهمها كل الوقت.