ما بين الاعتكاف والتهديد بالانسحاب من الحياة السياسية تارة والتهديد بالبقاء في المعارضة تارةً أخرى، جاء قرار السيد مقتدى الصدر زعيم «التيار الصدري» بانسحابه التام من العملية السياسية، بعد استمرار الفشل في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي كان يسعى إليها مع حلفائه من السنّة والأكراد واستقالة نوابه الـ73 الشهر الماضي، ليعكس أزمةً سياسيةً حادةً تتجاوز مستقبل تشكيل الحكومة إلى تداعيات ستطال مستقبل العراق في ظل التجاذبات السياسية الحادة بين القوى والتكتلات الحزبية المختلفة والتأثيرات الإقليمية، خاصةً التأثير الإيراني التقليدي في الشأن العراقي خلال المرحلة المقبلة.

فما هو هدف الصدر الحقيقي من استقالة نوابه، إن استبعدنا رغبة الصدر في تقديم السلطة لخصومه على طبق من ذهب؟ وهل يهدف الصدر من استقالة نوابه إلى انتقال الأزمة السياسية من البرلمان إلى الشارع ولعب دور المعارضة الجماهيرية؟

أثار قرارُ انسحاب الصدر ونوابه ضجةً كبيرةً، لكنها ليست المرة الأولى ولا الثانية التي يعلن فيها الصدر انسحابَه من الحياة السياسية، بل أثبتت السنوات الماضية أن انسحابات الصدر كانت جزءاً من مناورة سياسية اعتاد على استخدامها خلال ممارسته للعمل السياسي في مرحلة ما بعد عام 2003، للتأثير في المشهد العراقي.

فرغم إعلانه الانسحاب فقد بقي حاضراً في المشهد السياسي العراقي ومؤثراً حتى في مشاورات تشكيل الحكومة بشكل مباشر عبر بياناته المتكررة في وسائل التواصل الاجتماعي وبيانات أعوانه، أو بشكل غير مباشر عبر التأثير في خيارات قوى «الإطار التنسيقي» التي سارعت لاقتناص فرصة انسحاب النواب الـ73 لتشكيل الحكومة، حيث تشير كافة التوقعات إلى أن نواب خصوم التيار الصدري في «الإطار التنسيقي» سيحلون محل نواب التيار الصدري، أي أن «الإطار التنسيقي» هو الفائز الأكبر من قرار استقالة نواب التيار الصدري، لكن الواقع أن قيادات الإطار التنسيقي تخشى من قدرة الصدر على تحشيد أنصاره وتحريكهم في الشارع، ففي عام 2016 كادت جماهير الصدر أن تطيح بحكومة حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، عندما اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء ودخلوا إلى مبنى البرلمان والحكومة، قبل أن يأمر بانسحابهم. كما أن المظاهرات الشعبية التي شهدها العراق في أكتوبر 2019 وسقط خلالها مئات الجرحى والقتلى، كانت بدعم وتأييد من الصدر، ونتج عن ذلك الحراك الشعبي استقالة حكومة عادل عبدالمهدي وتشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الحالي.

فالقاعد ة الجماهيرية الصدرية تعني أن الصدر يستطيع أن يتجاوز المعارضة السياسية التي تحكمها العملية السياسية إلى المعارضة الشعبية. وتلك حقيقة لا تستطيع قوى المعارضة الأخرى تجاوزَها. بل وتعد قدرة الصدر على تحريك أنصاره هي المعارضة الأقوى والأخطر، إذ بإمكانها خلقَ حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، فحتى لو استطاعت قوى الإطار التنسيقي تشكيل حكومة سينزل أنصار الصدر إلى الشوارع للاحتجاج وسيبقى تحدي قدرة الصدر على إعادة حشد قوى الحراك الشعبي للاحتجاج وممارسة المعارضة الشعبية، مما يعني واقعياً أن تشكيل الإطار التنسيقي للحكومة المقبلة من دون التيار الصدري أمر وارد. لكن مسألة بقاء واستمرار تلك الحكومة سيبقى محل تساؤل.

*كاتبة  إماراتية