بات السباق نحو الفضاء من قضايا الساعة، ولعل المتابع لتطورات المشهد العالمي يرصد سباقاً محموماً بين المساهمين في صناعة القرار العالمي لبسط السيطرة على الفضاء. لكن للإمارات مساعٍ في هذا الجانب، وقد باتت قريبة من الوصول للقمر بعد تطوير وإطلاق أول مستكشف عربي يهبط على سطح القمر، كما نجحت من قبل بإرسال «مسبار الأمل» إلى المريخ لتصبح من خلاله خامس دولة تصل إلى الكوكب الأحمر.

وكل ذلك يأتي في إطار تنفيذ إستراتيجيتها الرامية لأن تكون الرقم واحد عالمياً بحلول مئويتها الأولى. واستقبال صاحب السمو رئيس الدولة ونائبه مؤخراً فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف القمر هو جانب من اهتمام القيادة بالاستثمار في مختلف الطاقات والعلوم على حد سواء. وقد حمل اللقاء رسائل إيجابية يمكن قراءتها بوضوح، يأتي في مقدمتها التأكيد على أهمية العلم ودوره في بناء نهضتنا، وإعداد الشباب القادر على تحمل المسؤولية، ورفع راية الإمارات في مختلف المحافل الدولية، وهو ما يسهم في كتابة فصل جديد في تاريخ الألفية الثالثة. استكشاف الفضاء الخارجي بات جزءاً لا يتجزأ من خطة الإمارات الرامية إلى الاستثمار في أي مجال يمنحها المزيد من القوة. وبالرغم من أنها بدأت بالاستثمار في الفضاء منذ سنوات قليلة مضت، إلا أنها كانت حققت خطوات مهمة في هذا القطاع، كاشفة عن طموحاتها الكبيرة من خلال ما بدأت تأسيسه كبنية تحتية له.

فقد بدأت بإنشاء وكالة للفضاء عام 2014، وهي أول وكالة عربية تهدف إلى تنظيم وتطوير صناعة الفضاء، مركّزة على تنشئة كادر إماراتي شاب، واستخدام تكنولوجيا الفضاء بما يدعم تحقيق خطط الاستفادة من الاقتصاد المتنوع القائم على المعرفة.

وفي عام 2017 أطلقت الإمارات برنامج رواد الفضاء كأول برنامج عربي متخصص لإعداد وتدريب رواد الفضاء، أولى الخطوات الإماراتية نحو حلمها بإقامة مستوطنة مأهولة بالبشر على سطح المريخ عام 2070، وهو العام الذي ستحتفي به الإمارات بذكرى مرور مئة عام على تأسيس دولة الاتحاد. تلك الإنجازات وسواها مما حققته الإمارات، إلى جانب ما تعمل على تحقيقه، لها مردود إيجابي ومشهود على أرض الواقع، ومن ثمراتها انتخاب المهندس عمران أنور شرف رئيساً للجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي «كوبوس». والمهندس شرف أحد الشباب الإماراتيين الذين يمثلون طموح الإمارات بتنشئة جيل رائد في مختلف القطاعات. فقد مثل الدولة في اجتماعات لجنة الأمم المتحدة لاستخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية ولجنة لأنظمة الملاحة الفضائية، وقاد فريق الإمارات في دراسات مشتركة مع حلف «الناتو».

كما قاد الفريق المكلف لوضع التصور الأولي لمشروع مسبار الأمل في مركز محمد بن راشد للفضاء، وفي تطوير أنظمة التحكم بالأقمار الصناعية والمحطة الأرضية. وكان شرف قد شارك في تصميم وتطوير مشروع (دبي سات1 و2)، إلى جانب مشاركته بتطوير المراحل الأولية من مشروع (خليفة سات)، ومن ثم وضع تصوراً لتأسيس وكالة الإمارات للفضاء، ومن قبلها عمل على عدة مبادرات لدعم بناء قدرات تقنية متقدمة للإمارات.

إن استكشاف القمر ما هو سوى خطوة جديدة ضمن مساعي الإمارات لتعزيز حضورها المتنامي في قطاع الفضاء، وسعيها نحو تعزيز موقعها ضمن الدول الرائدة في علوم الفضاء وذلك بهدف الانخراط الفاعل في العلوم الحديثة والدقيقة، والمنافسة فيها كذلك. واليوم، وبما تملك الإمارات من بنية تحتية متطورة جداً قادرة على الاستثمار في أي مجال، بدءاً من الاستثمار في الإنسان الذي يعتبر العنصر الأهم في أي استثمار آخر.