المخيف من انتشار الأوبئة في العالم أننا كبشر لم نتعلم الدرس، ولا زلنا نتعامل مع المخاطر ذات الاحتمالية المنخفضة جداً والعواقب الكارثية، والتي تبدو أنها ستبقى لسنوات طويلة وكأنها قد بدأت بالأمس فقط بكل ثقة وبنفس العقليات التي لم ترَ ما كان قادماً وما هو قادم، وهو ما يحدث تماماً مع التهديدات المبهمة التي نعلم أنها علمياً ممكنة ولكننا نستبعد حدوثها، أو أنها السبب وراء ما يحدث حتى من ظواهر طبيعية نعزوها بشكل كلي للطبيعة.

وعن الكوارث المتعلقة بالأمراض المعدية والمخاطر الحيوية البيولوجية فإن جيوش العالم في الدول الكبرى والقوى الناشئة تعمل على أبحاث سرية متقدمة في المئة سنة الأخيرة، ومهددات التنوع البيولوجي في بيئات معينة بصورة تفوق البيئات الأخرى في قارات العالم المختلفة ربما ليس بصدفه محضة، وهو أمر مرتبط تماماً بالسياسة والاقتصاد والهيمنة العسكرية ووفرة الموارد الأساسية للحياة، والاعتماد الاضطراري على علوم وتكنولوجيا وتقنيات واختراعات ومنتجات وبدائل الطرف الآخر.

وحول هذه النقطة الأخيرة، فإن الحاجة إلى أدلة دامغة مهمة لرصد الميزانيات وتجهيز المجتمعات للمخاطر المستقبلية، ولكن هذا هو تماماً الخيط الرفيع بين الحقيقة والخيال الذي يراهن عليه من يلجم المشككين ويتهمهم بعقدة المؤامرة وشيطنة آرائهم ووصفها بأنها غير علمية، وبرمجة الأمم على سماع صوت واحد يخدم تلك الدول التي تعمل وفق ما يعظم مخرجات أجنداتها المعلنة والخفية، وتسخير المجتمع العلمي لأغراض التخدير الفكري للشعوب كأن يقال: إن الجائحة لا تتطابق مع استخدام الأسلحة البيولوجية وهو صحيح، ولكن كذلك ما يحدث من تحورات وانتشار للأوبئة التي يعلن عنها مؤخراً وعودتها في مشاهد أشبه بأفلام الخيال العلمي. وفي الحقيقة تلك الأوبئة ليست جديدة ولكن الانتشار غير المسبوق لها، وإخضاع العالم لأخذ الجرعات لوقف انتشارها والتقليل من أثرها، ربما يبدو متوافقاً مع ملف الحرب البيولوجية المستترة بطريقة لم نشهدها من قبل.

ويقابل ذلك المشكلات الرئيسية في الاختلاف الدولي في الرأي حول التحقق والتدابير المتخذة، لضمان عدم قيام أي دولة موقعة على الاتفاقيات الدولية لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل على تطوير أسلحة بيولوجية في انتهاك صريح لتلك الاتفاقيات، وخاصةً أن مختبرات تلك الدول العظمى في كل شبر من الكرة الأرضية.

فالجائحات ترسم الحياة الجديدة التي تناسب النظام الدولي الجديد المرغوب فيه، حيث تقوم الشركات بتحويل أفضل ممارساتها لتشمل وظائف العمل من المنزل، بينما ينتقل البيع بالتجزئة بسرعة أكبر إلى الطلب عبر الإنترنت، وتعيد الحكومات هيكلة مقارباتها للرعاية الاجتماعية والشرطة الاجتماعية وشبكات الأمان الاجتماعي، وخفض ميزانياتها من خلال تقليل العاملين في القطاع العام. فالأوبئة تؤدي إلى تسريع حركة الحرب من العالم المادي إلى العالم الرقمي.

وبدلاً من غزو دولة أليس من الآمن اختراقها وإغلاق بنيتها التحتية من خلال نشر مرض معد ما في أراضيها، وهي لا تمتلك القدرة على علاجه أو التطعيم ضده؟! وفي هذه الحالة، سيأتيها ما تحتاج له من الخارج، وهي لا تمتلك المختبرات التي تجعلها تفند هذا اللقاح وتدرك تأثيره على المدى البعيد وفعاليته الحقيقية في مواجهة الوباء، وفي الوقت نفسه تسبب الوباء في أضرار جسيمة لجميع القوى العظمى والمتوسطة إلى الحد الذي لا يمكن لأي منها كسب حرب في أي وقت في المستقبل القريب.

والأهم من ذلك أن اعتبارات صانعي السياسة المتشائمة بشأن القدرات العسكرية لبلدهم واستعدادهم للحرب ستجعلهم يبتعدون عن المخاطر، وغير راغبين في شن أي حملة عسكرية كبيرة وبالتالي يلغي مخاطر الحرب بين الدول تماماً، والخيار هو الحروب الذكية غير المباشرة كالكوارث المصنفة طبيعية، وسلاح الأمراض المعدية سريعة الانتشار على مستوى العالم هو السلاح الأهم في جعبة من يريد استرجاع قيادة العالم المطلقة أو الحد من وصول منافسيه لها.

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.