تظل قضية التعليم وتطويره المستمر القضية الأهم والأكبر في الرؤية الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

فالتعليم هو ميزان يمكن من خلاله قياس مدى تحضر وتطور المجتمع واستشراف مستقبله.. طلاب الحاضر هم الركيزة التي ستقوم عليها الدولة في المستقبل فهم سيصبحون القادة والعاملين والمعنيين باستمرارية عملية تطور البناء الحضاري للمجتمع الإماراتي.  من هذا المنطلق ندرك ونعي تماماً أن التعليم هو ركيزة كبرى في تحقيق الأمن المجتمعي والحفاظ على استقرار ونمو المجتمع. الدور الرئيس للتعليم هو تنشئة عقول تمتلك شغف المعرفة.

ومن وجهة نظري هناك مفهوم سائد حول هدف التعليم يحتاج للمراجعة وإعادة الصياغة وهو أن التعليم هدفه بناء التراكم المعرفي لدى الطلاب وتغذية سوق العمل باحتياجاته من الشباب حفاظاً على استمرارية تحقيق استراتيجيات الدولة في كافة المجالات. هذا من وجهة نظري هدف ليس كافياً في العصر الحديث ولا يتوافق مع التسارع اليومي في العلم والتكنولوجيا والتغير الضخم والمستمر في حجم ونوعية المعرفة البشرية والذي لا يتوقف.

بالتالي التعامل مع الطالب على أنه مساحة لتخزين المعرفة هو تعامل قاصر متجمد عند حدود القرن الماضي من دون وعي بطبيعة العصر الحديث وتحولاته الحادة.

الهدف الرئيس للتعليم يجب أن يكون بناء عقل شغوف بالبحث عن المعرفة ومؤمن بقيمة طرح الأسئلة كطريق للوصول إلى المعرفة وتنميتها ومتجدد الشغف تجاه العلم والمعرفة..

وهنا يحضرني سؤال أطرحه على أهل العلوم التربوية والتعليمية بحثاً عن الإجابة لديهم: ماذا لو أننا استكشفنا شغف الطفل المعرفي وركزنا مسيرته التعليمية على نوع واحد من العلوم التي هو شغوف بها بحيث تكون المرحلة الابتدائية مرحلة تأسيس ثم تأتي السنة الأولى من المرحلة الإعدادية أو الحلقة الثانية لتكون مرحلة استكشاف يتعرف فيها الطالب على شغفه العلمي والمعرفي مع تخصيص منهج لتعليم الطالب أساسيات البحث العلمي ثم نبدأ معه في المرحلة الثانوية أو الحلقة الثالثة لتكون مرحلة تخصص الطالب مع هذا الشغف بالتوازي مع باقي المواد التعليمية الأخرى فنؤسس الطالب للمرحلة الجامعية، وهو على درجة باحث وليس مجرد طالب، فنتخطى به سنوات كثيرة ونساعده في التأسيس القوي ليكون باحثاً جامعياً شغوفاً بالبحث والإبداع وطرح الرؤى الخاصة والجديدة، وليس مجرد طالب جامعي يسعى للتحصيل العلمي والنجاح فقط من أجل إكمال مسيرته العلمية ويتوقف العلم والتعليم عند بوابة العمل.

أدعو لبناء أجيال باحثة عن المعرفة وليس فقط باحثة عن فرصة العمل، فقيمة المعرفة كلما تزايدت وتراكمت خبراتها سيظل الشاب شغوفاً بالتعليم والتعلم والتطور وخاصة في الفرع العلمي الذي انغمس فيه منذ كان مراهقاً في الحلقتين الثانية والثالثة وحتى تخطى عتبة الجامعة لنغذي سوق العمل بعقول شغوفة بالتطور والبحث العلمي، فنرفع من جودة سوق العمل.

وينعكس ذلك على النجاح والتطور في تحقيق استراتيجيات الدولة. لأن التعليم مؤثر مباشر وقوي في ضمان الأمن المجتمعي واستقرار المجتمع وتطوره ونموه. نحتاج أن نفكر بصورة مختلفة ونخرج من وراء أبواب النمطية ونبحث عن آليات مختلفة جديدة من أجل خلق أجيال شغوفة بالعلم والمعرفة والتفكير.

*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.