حين كانت الجائحة في أعلى مستوياتها، كان ضحايا الجوع أكبر من ضحايا الجائحة، إذْ كان الموت جوعاً أكبر من الموت مرضاً، وقد كان تقرير منظمة أوكسفام الخيرية والذي حمل عنوان «فيروس الجوع يتكاثر».. صادماً وخطيراً.

ولقد جاءت حرب أوكرانيا لتدفع بأعداد أخرى إلى المجاعة، وفي يونيو 2022 قدرّت منظمة الفاو أعداد الجوعى الجُدد بقرابة 20 مليوناً. وبعد ذلك بقليل حذّر الأمين العام لحلف الناتو من أن الحرب الدائرة في أوكرانيا قد تمتد إلى سنوات.

إن الجائحة والحرب والتغير المناخي.. قد عصفوا بالأمن الغذائي في العالم، وبينما تتراجع الجائحة، فإن الحرب تبدو ممتدة، كما أن أزمة المناخ تتفاقم كل يوم. يفرض هذا المثلث على العالم أن يفكر جديّاً في كل الحلول الممكنة لأزمة الغذاء العالمية.

ولقد كان من بين الأفكار المميزة، والتي تشكِّل أملاً حقيقياً، ما قرَّرته الأمم المتحدة عام 2013 باعتباره عام «الكينوا». الكينوا محصول شبه حبوبي، وهي غنية بالفيتامينات والأحماض الأمينية، ومثل القمح يتم طحنها، ثم خبزها أو طبخها، وتلقب بـ«أم الحبوب».

كان محصول الكينوا غذاءً رئيسياً في جبال الإنديز في أميركا الجنوبية، ولما دخل الأسبان إلى البلاد اعتبروا الكينوا «نبات طاقة» يؤدي إلى تقوية السكان وجعلهم أكثر قدرة على القتال، لذا تقرر منع زراعته، وعقاب المخالفين. أصبح نبات الكينوا من بين «المحاصيل المهجورة».. لكنه عاد من جديد، كمصدر رئيسي للغذاء. وبحسب بعض الخبراء فإن القيمة الغذائية للكينوا أعلى من القمح، ويستخدمها رواد الفضاء كغذاء متكامل، ولما سئل معمّر من بوليفيا يبلغ عمره 123 سنة عن نمط غذائه، قال: عشت على الكينوا.

في عام 2003 أطلق الزعيم البرازيلي «لولا دا سيلفا» مبادرة «صفر جوع، وفي عام 2013 عاد أمين عام الأمم المتحدة«بان كي مون» وأطلق النداء نفسه، وقال يجب أن يعمل العالم من أجل الوصول بمعدل الجوع إلى المستوى صفر.

يستهلك نبات الكينوا ثلث ما يستهلكه القمح من المياه في الأرض المرويّة، وهو نبات مقاوم للجفاف، ولا يتأثر بالملوحة، ويمكن زراعته في أي أرض لا تتجاوز الحرارة فيها 38 درجة، وهو يمكث في الأرض فترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، وقد نجحت زراعته في أماكن عديدة في آسيا وأفريقيا.. في السهول وفي الهضاب. في مصر قام الباحثون: أحمد سعيد مصطفى كامل، عمرو شمس، عبد الحفيظ أحمد زهدي من مركز البحوث الزراعية، بدراسات بهذا الصدد، وطرحوا رؤية جديدة بعنوان«ثورة زراعية جديدة.. الكينوا محل القمح».

ويرى برنامج الغذاء العالمي أن الكينوا تكفي لإطعام سكان العالم في ظل تغير المناخ. تعد بوليفيا أكبر منتج للكينوا في العالم، وتقيم البلاد احتفالات كبيرة في موسم الحصاد، وفي الإعلان الأممي لاعتبار 2013 العام الرسمي للكينوا، كان الرئيس البوليفي إيفو موراليس يقف إلى جوار بان كي مون، وفي حديثه قال متباهياً: إن الكينوا هدية أجدادنا في الإنديز. في ظل أزمة الغذاء العالمي، يجب التفكير جدياً في العالم العربي وخارجه في الكينوا بديلاً أو زميلاً للقمح. العلم هو الحل.

* كاتب مصري