هذا السؤال إذا طُرح في هذا الجزء من العالم ومعظم دول الكرة الأرضية سيعد تعدياً صريحاً على مسلّمات العقل الديني بغض النظر عن الديانة، وتحدياً مباشراً للعلوم الدنيوية التي تُدرّس في آلاف الجامعات والكليات في العالم، وللواقع الذي يعيشه البشر بالتحديد.

هو تساؤل يدور ويُناقش في عقول علماء وباحثين ومفكرين وتقنيين يعتبرون قامات في شتى العلوم في العديد من دول العالم المتقدم مادياً وعلمياً، ومسألة أن نكون كائنات افتراضية تعيش في محاكاة الحاسوب الكوني وتخلق من خلال المحاكاة تصورات للواقع عند الطلب بدلاً من محاكاة الواقع بالكامل طوال الوقت - تماماً مثل لعبة فيديو محسّنة لعرض أجزاء المشهد فقط للاعب - وربما لهذا السبب لا يمكننا السفر أسرع من سرعة الضوء، لأنه إذا استطعنا فسنكون قادرين على الوصول إلى مجرة أخرى، وهل سنصبح حضارة بارعة تقنياً تمتلك قوة حاسوبية هائلة سنحاكي من خلالها الحياة التي عاشها أجدادنا من قرون طويلة مضت؟

وبغض النظر عن ثوابتنا الفكرية، فمفهوم محاكاة الواقع والاعتقاد أن واقعنا هو محاكاة أمر يتعلق باحتمال موجود علمياً، بغض النظر عن النسبة التي تعد ضئيلة لدرجة تكون فيها الفكرة غير واقعية. وإذا كنا نعيش في محاكاة، فإن الكون الذي نلاحظه هو مجرد جزء صغير من مجمل الوجود المادي.

المفهوم بطبيعة الحال يملأ كتب وأفلام الخيال العلمي، ولكن بعض الفيزيائيين والفلاسفة يقولون إنه من الممكن أننا نعيش بالفعل في محاكاة حتى لو كان ذلك يعني نبذ ما نعرفه أو نعتقد أننا نعرفه عن الكون ومكاننا فيه. وإذا كانت فرضية المحاكاة صحيحة كما يعتقد البعض فمعنى ذلك أن هناك منشئ ومهندس معماري وقوة عليا ما صممت العالم، وفق قناعاتنا الإيمانية.

ومن جهة أخرى هل يتوصل الإنسان إلى القدرة على محاكاة الأدمغة؟ فصحيح، ليس لدينا بعد التكنولوجيا اللازمة لإنجاز ذلك، ولكن لا يوجد عائق مفاهيمي أمامه، وبمجرد إنشاء محاكاة للدماغ مفصّلةً ودقيقةً بدرجة كافية، فمن الممكن لربما أن تولّد هذه المحاكاة تجارب واعية! وهل من الممكن أن تكون جميع أفكارنا حول العالم الذي نعيش فيه خاطئة؟ وأنها ببساطة نتيجة لرغبتنا في الاعتقاد بأننا «حقيقيون»؟

والأمر الأكثر إثارة ً للقلق أننا إذا كنا نعيش في محاكاة حاسوب أو أمر شبيه به، فهل من الممكن أن يتم إيقاف تشغيل المحاكاة في أية لحظة؟ وتكون تلك اللحظة بمثابة القيامة الإلكترونية وليس بالضرورة بمعاييرنا في هذا العالم.

وأهمية طرح مثل هذه الأمور ما فوق الجدلية هو أن العلم نسبي وكذلك عقل الإنسان وتصوره لهذا العالم. وإذا ما كانت هناك قلة تؤمن بتلك المفاهيم وهي من تسيطر على العالم، فالأمر إذاً جدير بالتفكّر فيه.

وما هي تداعيات تلك المفاهيم في تعاملنا مع تلك الفئة في العالم من حولنا، والآثار الحقيقية حول الكيفية التي يجب أن ننظر بها إلى عالمنا ومستقبل جنسنا البشري، فضلاً عن الآثار المترتبة على الطريقة التي يجب أن نعيش بها حياتنا إذا اضطررنا لقبول حقيقة أن بعضنا يؤمن أننا نعيش في محاكاة، والنظريات العلمية التي تتحدث عن أكوان متوازية وثقوب سوداء هل هي علم تجريبي أم أقرب لنظرية المحاكاة؟

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.