يتضح على نحو متزايذ أن التسوية التفاوضية هي الطريقة الوحيدة لإنهاء العنف والمعاناة في أوكرانيا. لكن ما لا يلاحظه أحد من العالم تقريباً أن الطريق إلى وقف إطلاق النار بات السبيل إليه معقداً بسبب بعض المحاربين البعيدين، وهم ثلاثة أعضاء كبار في حكومة المملكة المتحدة. فقد سعى رئيس الوزراء بوريس جونسون ووزيرة الخارجية ليز تروس ووزير الدفاع بن والاس في الحرب في أوكرانيا إلى تعزيز حظوظهم السياسية. وبالنسبة لجونسون، جاء هجوم فلاديمير بوتين في اللحظة المناسبة.

ففي أواخر فبراير، واجه جونسون أسوأ أزمة في رئاسته للوزراء المتمثلة في «فضيحة الحفلات». وانقلب ضده زملاؤه «المحافظون» بعد الكشف عن تجمعات غير قانونية في مقر إقامة رئيس الوزراء في 10 داونينج ستريت حضرها جونسون، مما يخالف القوانين التي فرضتها حكومته في ذروة الجائحة. واندفع جونسون يرسل مساعدات أسلحة قتالية إلى أوكرانيا ليصبح واحداً من أوائل قادة العالم الذين فعلوا ذلك. ثم أصبح أول زعيم من أوروبا الغربية يخاطب البرلمان الأوكراني. وخطابه الحماسي الذي حاول فيه استلهام تشرشل، جعل جونسون بطلاً في أوكرانيا.

وعلى عكس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز، زار جونسون كييف بنفسه. وخلال الآونة الأخيرة، قام بجولات دعائية كثيرة إلى فنلندا والسويد، ووعد بالدفاع عنهما إذا تعرض أي من البلدين لهجوم من روسيا. والمملكة المتحدة تقود في الواقع قوة الاستكشاف المشتركة - وهي مجموعة عسكرية تتكون من النرويج والدنمارك وفنلندا والسويد وأيسلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وهولندا. وبقيادة رئيس الوزراء البريطاني جيشاً أوروبياً لم ينظمه الاتحاد الأوروبي قط، يسعى جونسون مرة أخرى لاستلهام تجربة ونستون تشرشل الذي أنقذته الحرب من مشوار سياسي أفسدته سلسلة من عدم الكفاءة. والمشكلة هي أن جونسون يؤجج فعلياً حرباً لا تقاتل المملكة المتحدة فيها. وفي المقابل يقاتل الأوكرانيون ويلقون حتفهم، وبلاهم تتعرض للدمار وشعبهم يغادر الديار.

وخروج جونسون من منصبه لن يقلص مخاطر المغامرة. لكن «تروس» و«والاس»، وهما من خلفائه الأكثر ترجيحا قررا أن اتباع خطاب أكثر استنفاراً للحرب من خطاب جونسون سيعزز مستقبلهم السياسي أيضاً. فقد نشرت «تروس» صوراً لنفسها على إنستجرام على متن دبابة، وبدأت حملتها الحربية بالقول إنها ستدعم ذهاب البريطانيين إلى أوكرانيا للانضمام إلى القتال ضد الروس، وهو اقتراح قوبل بازدراء أعضاء حزبها ورفضه أخيراً الجيش البريطاني. وهي تصر الآن على ضرورة إخراج روسيا من شبه جزيرة القرم أيضاً. وردد هذا المطلب والاس. ويشبه تروس ووالاس، كما أشار «ماكس هاستينجز»، في الأيام القليلة الماضية، «مشجعي كرة القدم»، وليس وزيري خارجية ودفاع في بلد مهم. ودفع خطاب المسؤولين البريطانيين حول شبه جزيرة القرم، نيل أشرسون، مؤلف كتاب «البحر الأسود»، والذي يراقب منذ فترة طويلة منطقة أوراسيا، إلى كتابة رسالة شديدة التعقيد بشكل غير معهود إلى «الجارديان» حذّر من أن «تروس» تغامر بالسماح «بحمام دم» في المنطقة.

ومن المؤكد أنه يتعين على «تروس» أن تتحسن في فهم الجغرافيا قبل أن تنجح في الجغرافيا السياسية. فقد صرحت في الآونة الأخيرة أن بريطانيا ستدعم «حلفائنا في البلطيق على امتداد البحر الأسود»، خالطة بين بحرين يفصل بينهما مسافة 700 ميل. وفي وقت سابق من العام الجاري، وفي اجتماع مع نظيرها الروسي، أكدت «تروس» أن المملكة المتحدة لن تعترف أبدا بأراضي روستوف وفورونيج الروسية. واضطر السفير البريطاني في روسيا إلى التدخل وتنبيه رئيسته بخطئها بلباقة.

وحتى حين تقبل أوكرانيا المساعدة الأساسية منهم، يتعين عليها توخي الحذر من أصدقاء بريطانيين مثل هؤلاء. ونجاحاتها العسكرية ستضمن لأوكرانيا في أحسن الأحوال موقفاً تفاوضياً جيداً مع روسيا وليس نصراً مبيناً أو استعادة شبه جزيرة القرم التي يطالب بها رعاتها البريطانيون المتحمسون. والتمجيد الحماسي الأوكراني لجونسون له مخاطر أخرى. فتقارب كييف من الحكومة البريطانية قد يؤدي إلى تعقيد علاقتها بالاتحاد الأوروبي.

ومقلدو تشرشل، حتى وقت كتابة هذا المقال، يمزقون صفقة التجارة البريطانية مع الاتحاد الأوروبي بشأن أيرلندا الشمالية، مما يقوض سلطة بلادهم ومصداقيتها. وربما يكون حزب المحافظين قد تخلى عن الكفاءة الاعتيادية، بدعمه زعيما انتهك القانون ويعجز عن العثور على بدائل أفضل. وينبغي على الآخرين توخي يقظة أكبر للحالة المتدهورة للسياسة البريطانية المحلية وللعنصر المعرض للتغيرات الذي تمثله الحرب في أوكرانيا.

*كاتب وروائي هندي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»