تحت لفح الشمس، اصطف الفلبينيون لمسافة ميل تقريباً أمام مدرسة ابتدائية في وسط مانيلا انتظاراً للإدلاء بأصواتهم. وهناك أكشاك تبيع المياه والعصائر والطعام، والموسيقى تنطلق من السيارات والدراجات. وعلى الرغم من الأجواء الاحتفالية التي أحاطت بهؤلاء الناخبين، وعشرات الملايين غيرهم في جميع أنحاء الجمهورية الجزيرية المترامية الأطراف، كانت المهمة جادة للغاية. إنها مهمة قد تعيد أسرة ديكتاتورية لحكم البلاد مرة أخرى. 

فالمرة السابقة التي تواجد فيها رجل من أسرة ماركوس في القصر الرئاسي، كانت عام 1986. وحينذاك، حمل ذاك الرجل متاعه وأسرع إلى طائرة هليكوبتر أميركية كانت تنتظره لنقله إلى هاواي بعد أن سحبت الولايات المتحدة دعمها لحكمه المفلس والفاقد للمصداقية في غمرة انتفاضة شعبية وانشقاقات في الجيش. أما الآن، فقد انتصر فرديناند ماركوس الابن في الانتخابات الرئاسية الفلبينية التي أجريت في يوم الاثنين (9 مايو)، وفقاً لإحصائيات غير رسمية من مؤسسات إعلامية وتقديرات بلومبيرج نيوز. وليني روبريدو نائب الرئيس، وهي أقرب منافسي ماركوس الابن، تخلفت بفارق كبير. 

وماركوس الابن، الشهير باسم «بونج بونج»، كان متقدماً دوماً في استطلاعات الرأي، وتمكن من الحفاظ على هذه الميزة بفضل عدم تقديم تفاصيل بشأن خططه. والسلالات الحاكمة ليست شيئاً مستحدثاً في السياسة الفلبينية. فالرئيسان السابقان للرئيس الحالي، رودريجو دوتيرتي، من أبناء الرؤساء السابقين. وسارة دوتيرتي، المرشحة لمنصب نائب الرئيس مع «بونغ بونغ»، هي ابنة الزعيم الذي توشك ولايته على الانقضاء. ومن المحتمل أن تطمع العشيرة في المنصب الرفيع مرة أخرى بعد فترة حكم بونج بونج. وعلى الرغم من كل الهلع من صعود ماركوس الابن، وتصفيق المعجبين به، فالعالم الذي يتعين على بونج بونج التعامل معه مختلف تماماً عن عالم والده. فالدستور الذي وُضع بعد عام 1986 أتاح انتخابات حرة ونزيهة إلى حد كبير، ولا يسمح للرؤساء بالترشح لولاية ثانية مدتها ست سنوات. كما أصبحت البلاد أكثر اندماجاً في الاقتصاد العالمي مما كانت عليه قبل نصف قرن حين كان ماركوس الأب يفرض قوانين الطوارئ. 
وأثناء حديثي مع الصيادين على الساحل الشمالي الغربي لجزيرة لوزون قبل قليل من تفشي الجائحة، تعرفت لأول مرة على الحنين لأيام ماركوس. فقد ذكر الصيادون أن ماركوس الأب كان رجلاً عظيماً وكانت الفلبين قوية في عهده.

كما لم يسمع بذلك أيضاً بعض المعجبين بماركوس الابن اليوم. فقد بدت السعادة على جيرالد ميرانديلا (31 عاماً) الذي يدير شركة والده لإطارات السيارات وهو يضع الملصقات الخاصة ببونج بونج على جدار متجره. وذكر أنه لا يبالي بالماضي وأن البلاد بحاجة إلى قيادة قوية، وتخيل أن (بونج بونج) سيوفر هذه القيادة. وحين سألته: ألا يؤرقك تاريخ الأسرة؟ أجاب قائلاً: «لم أكن قد ولدت». وهذا نموذجي لرد فعل عشرات من أنصار ماركوس الذين تحدثت إليهم خلال الأيام القليلة الماضية. فقد نبذوا آلام الماضي وراء ظهورهم لأنهم شباب وتصوروا هذا الماضي بطريقة ما على أنه حقبة ذهبية. ويعتقد مارلو كورتيس (25 عاماً) أن ماركوس الابن سيعكف على تنظيف سمعة أسرته. وحدثني أثناء انتظاره في طابور التصويت في مانيلا قائلاً: «لا عودة لقانون الطوارئ. سيعيد بناء التركة ويطهر الاسم». وأدعى أن خلفاء ماركوس شوهوا بغير الحق فترة حكمه. 

ومثل هذه الآراء تصيب مؤيدي روبريدو باليأس الذي عبرت عنه جينيفر (29 سنة) التي تعمل في البيع بالتجزئة. وكانت جينيفر التي لم ترد الإفصاح عن اسم عائلتها ترتدي قميصاً وردياً للإشارة إلى دعمها لروبريدو. كما عبر عن هذا اليأس أيضاً الطالبات أنجلينا أوريتا وهانا بونس وآن بالوماريس اللائي خضن حملة دعاية لصالح روبريدو قبل أيام قليلة من يوم التصويت. وأشرن إلى وابل الدعاية عبر الإنترنت الذي سيطر على هذه الانتخابات. وذكرت بالوماريس أن حملة ماركوس الابن «قامت على طبقات من المعلومات المضللة». وحذرت من أنها وأمثالها يتمتعون بدرجة ما من التعليم والوعي، لكن هذا قد يفتقره آخرون وأنها تعلم ما حدث في الماضي ويتعين عليها مواجهة التضليل. 


وانتشرت لافتات روبريدو في مانيلا. لكن مع التوجه شمال العاصمة يوم الأحد (8 مايو) قلت لافتات الدعاية لروبريدو وزادت لافتات الدعاية لماركوس. فجنوب شرق آسيا شهد أيضاً التباين والانقسام بين الحضر والريف والصراع الثقافي الذي أثر على مجريات السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا. ويصعب تصديق أن يقدم ماركوس الكثير لبعض التجمعات السكانية التي رأيتها في قرى بائسة في مقاطعة تارلاك التي أنجبت رئيسين وزعيم معارضة من أسرة أكينو. لكن ملصقات ماركوس ودوتيرتي انتشرت في كل مكان. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»