يفترض أن يكون «الديمقراطيون» قد لاحظوا أن فرصهم في الفوز بانتخابات نوفمبر المقبل ليست جيدة، ولكنك لن تعرف ذلك من الطريقة التي يتحدثون بها مع الناخبين. فالرئيس بايدن وحلفاؤه يتصرفون كما لو كان كل شيء تحت السيطرة. الأهداف والرسائل هي نفسها كما كانت من قبل تقريباً، والاحتجاجات من وسط الهيئة الناخبة يتملص منها أو تتجاهل.

والحال أن هناك فرقاً بين أن تكون متقبلاً ومستسلماً للهزيمة وأن تكون سبباً فيها. فهل يستطيع الديمقراطيون تحسين فرصهم، إن قرروا المحاولةَ؟

ربما، ولكن فقط إذا قلّصت الإدارة الحالية طموحات سياستها الحالية وواءمتها مع ما تستطيع تحقيقَه بالفعل. هذه الهوة هي السمة المميزة لرئاسة بايدن. وتيمتها الثابتة هي الحاجة إلى التغيير. ذلك أنه وفق الإدارة الحالية، فإن كل جانب من السياسة الاقتصادية والاجتماعية يتطلب تغييراً جذرياً. إذ حيثما نظرت، تجد أزمةً وجوديةً: الاحتباس الحراري، تفشي العنصرية، تفاقم انعدام المساواة، سحق العمال، خداع المستهلكين، فساد الرأسمالية .. إلخ. ثم إن كل هذه المعضلات مستمرة ومتواصلة.

والتحسن التدريجي المطرد لن ينجح. والولايات المتحدة في حالة جد سيئة لدرجة تتطلب إعادة البناء. الناخبون الذين يفضلون الوسط يُعدون من النوع النادر والخجول. وحتى إن كانوا يتفقون على أن الكثير من الأشياء في حاجة إلى الاهتمام، إلا أنهم يرتابون من الثورة. ويفضلون أن تصلح البلاد على أن يعاد اختراعها، وهذه هي النقطة حيث تحيد كثير من الرسائل الديمقراطية عن سكّتها. والغريب أن معظم الناخبين لا يعجبهم أن يقال لهم إنهم يدعمون نظرية تفوّق العرق الأبيض العنصرية.

هذا في حين يشعر آخرون بأن تفشي الجريمة يقتضي نوعاً من الرد من حيث السياسات. والحال أن الناس يمكن أن يكونوا غير متسامحين بخصوص مثل هذه المواضيع. ثم إنه حتى إذا كان وسط الهيئة الناخبة يتوق للتغيير الاجتماعي، فإنه سيكون في حاجة إلى الوثوق في قدرة الإدارة على إنجاز الأشياء وتحقيقها. والحال أن بايدن وفريقه لا يبعثون على هذه الثقة. وبدلاً من أن تدرك الإدارة أن مخططاتها تفتقر إلى الدعم في الكونجرس وتعمد إلى تعديل مقترحاتها تبعاً لذلك، فإنها تواصل الدفع والضغط، مثيرةً حفيظةَ التقدميين والمعتدلين على حد سواء.

كل هذا بالطبع يتطلب إعادة ضبط وتعديل للغايات والوسائل. والجرأة على التفكير على نحو صغير. ولهذا، ينبغي أن تشكل مبادراتٌ بسيطة ومباشرة بعيداً عن الأضواء، تدفع بهدف الإدارة الأكبر، وتستطيع حشد دعم كاف في الكونجرس، وسمكن شرحها للناخبين المتشككين بسهولة أولوية بايدن.

وعلى سبيل المثال، عوضاً عن الاستمرار في حزمات ضرائب وإنفاق واسعة وشاملة لكل شيء لا يفهمها الناخبون (ولن يثقوا في أن تنفذها الإدارة إن فعلوا)، فسيكون من الأحسن الجمع بين زيادة محددة في الضرائب على الأسر الغنية وزيادة مماثلة في الإنفاق على الفقراء. ولتكن محايدة الإيرادات من أجل تبديد المخاوف بشأن تأثيراتها على عجز الميزانية والتضخم.

قوموا بتصميمها مع السيناتور الديمقراطي جو مانشن، الذي يعرف بعض الناخبين المتأرجحين، وناخب أو ناخبين «جمهوريَّين» قد يرغبان في الانضمام إلى هذا المشروع. وقولوا للتقدميين الذين يشعرون بالإحباط إن سياسةً تعالج انعدامَ المساواة في الدخل وتساعد الفقراءَ جديرةٌ بالدعم حتى وإن كانت تعجب المعتدلين. قد يقول كثير من الديمقراطيين: يا لها من خيبة أمل! والواقع أن هذا بالضبط هو سبب الوضع السيئ حيث بات يوجد حزبهم اليوم.

والحال أن إجراءً من هذا القبيل سيمثّل سياسةً جيدةً، والمهم أيضاً أنه سيمثّل سياسة ذكية. ثم إن هناك إمكانيةً حقيقيةً لأن يحصل على دعم كاف في الكونجرس لكي يمرر، وهو ما سيكون شيئاً ممتازاً. أما إذا لم يمرر، فإن الفكرة ستكون بسيطة وواضحة بما يكفي حتى يستوعبها الناخبون ويدعمونها، ما سيسمح للديمقراطيين باستخدام هزيمتهم كسلاح ضد الجمهوريين. هذا، كما أسلفتُ، على افتراض أن الرئيس وحزبه يرغبون بالفعل في الحد من خسائرهم خلال انتخابات نوفمبر المقبل.

*كاتب وصحافي بريطاني.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»