رسخت إنجازاتُ دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها عام 1971 مكانتَها عاصمةً اقتصاديةً في المنطقة وبيئةً مثاليةً للأعمال، لما تمتلكه من مقومات البنية التحتية المتطورة، والبنية الرقمية، ومختلف الخدمات التي وفّرت مزايا تنافسية، فضلاً عن الاستقرار الأمني والسياسي، حتى أصبحت مركزاً اقتصادياً حيوياً، والأسرع نمواً والأكثر استدامة. وقد حصلت في 25 نوفمبر الماضي على إجماع دولي عبر منظمة «اليونسكو» كدولة للمستقبل، وكذلك محطة رئيسية لصناعته عبر اعتماد الثاني من ديسمبر (اليوم الوطني) يوماً عالمياً للمستقبل. 
وفي هذا السياق أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رؤيتَه الاقتصادية، انطلاقاً من جهود وحرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمغفور له الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، وهي تعطي أولويةً رئيسيةً لتعزيز بيئة الاستثمار وترسيخ مكانة الإمارات، وتتمحور حول تفعيل دور القطاع الخاص والاعتماد عليه شريكاً فاعلاً في كل مراحل العمل الاقتصادي. الأمر الذي يتطلّب توفير المزيد من الحوافز الاستثمارية والتوسع في تحقيق التنوع الاقتصادي عبر عدة دعائم رئيسية، أهمها الصناعة لجهة زيادة مساهمتها في الناتج المحلي، في إطار استراتيجية قيمتها 300 مليار درهم لمدة خمس سنوات، وذلك في وقت تدخل فيه الثورةُ الصناعيةُ الرابعةُ جميع مدخلات العمليات الإنتاجية، وتؤثر على إعادة رسم وصياغة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية الإلكترونية. فضلاً عن التركيز على الاستثمار في الطاقة المتجددة للوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050. 
ولمواكبة تضاعف حجم التجارة الخارجية، يحمل العام الحالي العديد من المبادرات والخطط الاقتصادية النوعية والمعززة بتوجيهات الدولة، وتتضمن: اتفاقيات التكامل الشاملة مع عدة دول، ورفع مستويات الشراكة الاقتصادية والتبادل التجاري، وبناء شراكات مستدامة مع حكومات ومستثمرين عالميين وشركات القطاع الخاص.. إضافة إلى تبني نماذج اقتصادية مبتكرة تستوعب التوجهات العالمية الجديدة، وتعزيز الاستفادة من البيئة الاستثمارية، خاصةً بعد السماح بالملكية الكاملة للشركات والمشاريع من قبل المستثمر الأجنبي في القطاعات الإنتاجية كافةً، باستثناء القطاعات ذات الأثر الاستراتيجي، بما يعزز مسيرةَ التنمية خلال خمسين سنة المقبلة ويسهم بتحقيق تطلعات الإماراتيين.
وهكذا تنطلق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في تنويع الاقتصاد، من قاعدة أساسية توجت نتائج أشواط طويلة في تحقيق التوازن بين جميع القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية، إضافةً إلى استثماراتها الكبيرة في أنحاء العالم، خصوصاً أن اقتصاد الإمارات يعد الأكثر تنوعاً في منطقة الخليج والأكبر في الدول المنتجة للنفط، وقد بلغت مساهمة قطاعاته غير النفطية أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما تؤكده بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، والتي تشير إلى ارتفاع نسبته 72.3% خلال العام الماضي، مقارنةً بـ71.3% خلال عام 2020. فيما بلغ الناتج غير النفطي نحو 1.13 تريليون درهم، ما يؤكد أهمية انتقال الإمارات من اقتصاد النفط إلى اقتصاد التنوع الإنتاجي في مختلف المجالات، وترسيخ مكانتها الريادية ضمن أبرز الاقتصادات التنافسية على المستويين الإقليمي والعالمي. وذلك استعداداً لمرحلة ما بعد النفط في إطار الاستراتيجية الوطنية للخمسين عاماً المقبلة.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية