كانت مرحلة متصلة بين التأسيس والتمكين، جمعت بينهما رؤى ومبادئ راسخة، حافظت على الانطلاق الهادئ الواثق في مرحلة التأسيس، والاستقرار الوطيد في مرحلة التمكين. لقد عاش جيل الخمسين هذه التجربة، وخبر تحدياتها، ورأى كيف استطاع الآباء المؤسسون بناء دولة مؤسسات قوامها العدل والتسامح، وهدفها التنمية المستدامة لصالح الإنسان وصنع السلام من أجل الجميع.
وقد آمن القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بهذه المبادئ، فجعلها اللبنات الأولى في البناء، بناء الدولة والمواطن. وكان، رحمه الله، صادقاً معها ووفياً لها، فأنزل الله البركة التي رافقت هذا العمل الرائد، وتحقق على يديه الكثير في زمن يسير.
ونشأ في ظل مدرسة زايد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، طيب الله ثراه، حتى إذا ما كلف بمهمة أنجزها غير منقوصة في أهدافها ورسالتها، فعزز عملية التنمية والتطوير بوتيرة متسارعة في إمارة أبوظبي منذ العام 1968، وقاد مرحلة التمكين للدولة والمواطن منذ العام 2004 حتى وفاته رحمه الله. ولهذا، كان نصيبه من محبة والده وشعبه عظيماً، وكان خير خلف لخير سلف في مرحلة كانت الحاجة فيها ماسة لتمكين الإنجازات الأولى من عمر الاتحاد، والبناء عليها، وحمايتها، وصيانتها.
إنّ من أهم ما توليه الدول في سعيها للمحافظة على الاستقرار هو تطوير آليات انتقال السلطة بطريقة مؤسسية. ومن هنا، حرص الآباء المؤسسون لدولة الإمارات العربية المتحدة على تنظيم عملية الخلافة السياسية دستورياً ومأسستها سياسياً. فقد تم تخصيص عدة مواد من الدستور الدائم (المواد 51 إلى 54) لتنظيم عملية انتقال السلطة، ويتم تنفيذها بسلاسة منقطعة النظير لوجود الأطر المؤسسية السليمة للاتحاد. ومن هنا، كان انتقال السلطة في دولة الإمارات بعيد غياب قائد التمكين عن المشهد السياسي سلساً ومثالياً.
ومع انتخاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيساً للدولة، في 14 مايو الجاري، أخذ العالم ينظر بإعجاب إلى هذا التقليد الدستوري، الذي يأتي في سياق مفهوم المبادئ العامة التي أرساها الآباء المؤسسون للحفاظ على مكتسبات الدولة.
ولن يتكلف المرء عناء كثيراً لاستكشاف التحول الهائل الذي شهدته الدولة في الخمسين سنة الماضية. فقد غدت دولة الإمارات، من منظور التنمية المستدامة، النموذج الأمثل في المنطقة، من حيث التطور والنمو في شتى المجالات، خاصةً فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل، والتحول إلى اقتصاد المعرفة، مع تنمية مصادر الدخل القومي التقليدي، ولاسيما المعتمدة منها على النفطٍ، وتركيزها على تنمية مواردها البشرية وعلى الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها، وتحقيقها أعلى مستويات الدخل الفردي، فضلاً على الإنجازات الباهرة في مجالات الصحة والتعليم والأمن والبنية التحتية. ولا تقف الدولة في مسعاها نحو تحقيق الأفضل عند حد معين أو سنة بعينها، بل تنتهج سياسة التطور الشامل والمستمر. 
ولهذا، عمّ الحزن بيت كل مواطن ومقيم على أرض الدولة لوفاة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. لقد كان أميناً في الوفاء بعهده الذي قطعه على نفسه بعد توليه رئاسة الدولة بـ«تمكين الإنسان الإماراتي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية، وتمكين الدولة الاتحادية بوحداتها ومؤسساتها»، صادق الوعد مخلصاً لشعبه. فقد ترك، رحمه الله، اقتصاداً متيناً، وخلّف شعباً حول قادته متوحداً، وأمناً مكيناً، ومكانة عالمية للدولة مرموقة، واسماً في الإنسانية معروفاً.
ثم جاءت البشرى بانتخاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتعزز الثقة في نفوس الناس بأنّ مرحلة جديدة من التطور والعمل، تشق طريقها، زادها ذلك التراث العظيم، وقوامها التلاحم العضوي بين الشعب والقيادة، متطلعةً إلى مزيد من الإنجازات والطفرات التنموية في ظروفٍ صعبة، حيث العالم يتغير بسرعة، والفوز فيه يكون ليس بالمقدرات فحسب، ولكن الأهم بالقيادة والحكمة. ولهذا يُقرن التاريخ في صفحاته اسم المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بالحكمة على الدوام، لأنها القيمة الأسمى في المواقف الصعبة، وكذلك التحديات التي يعيشها العالم اليوم تحتاج إلى قيادة ترعرعت في بيت الحكمة والقدرة والقدوة.
ومن هنا، كانت الفرحة غامرة بانتخاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لرئاسة الدولة. واستبشر به الجميع، ونحن ننتقل من الخمسين الأولى من عمر الاتحاد، ونلج في الخمسين الثانية مع قائد من الطراز الأول يحب الوطن وأهله ويحبونه، ويتحمل عبء المسؤولية في صنع مستقبل شعبه في خضم متغيرات عالمية غير مسبوقة.
سفير سابق وخبير في الشؤون السياسية والاقتصادية الدولية