عندما تحدثت مع فيفيك راماسوامي في الآونة الأخيرة، لم أتوقع أن يكون بيننا قضية مشتركة. وراماسوامي مستثمر في التكنولوجيا دأب على الظهور في المنافذ الإعلامية المحافظة بما في ذلك صفحة الرأي لصحيفة وول ستريت جورنال. وهو مؤلف كتاب يوحي عنوانه بأن تأليفه تم في «فوكس نيوز» للتودد للقاعدة الشعبية واستفزاز الليبراليين وهو «شركة التوعية بالظلم الاجتماعي: من داخل خديعة جماعة أميركا للعدل الاجتماعي». وكنت أتواصل مع راماسوامي لمناقشة شركته الاستثمارية الجديدة «سترايف آست مانجمنت»، التي يرى أنها ستحث الشركات على الابتعاد عن السياسة. لكن من بين ممولي الشركة، «بيتر ثيل»، الملياردير صاحب رأس المال المغامر الذي دعم دونالد ترامب ويمول الآن مجموعة من مرشحي الكونجرس المؤيدين لترامب. 
وكنت محقا في تصوري، فلم أوافق على كثير مما قاله راماسوامي. فالخلاف الشديد لم يقتصر على وجهات نظرنا السياسية بل أيضا امتد لما تعنيه «مجريات السياسة» في الرأسمالية الأميركية الحديثة. لكن على الرغم من خلافاتنا، حدث شيء غريب. فقد وجدت نفسي أوافق على ما قد يكون محور كلام «راماسوامي»، وهو أن ثلاث شركات أميركية عملاقة لإدارة الأصول- بلاك روك وفانجارد وستيت ستريت – تسيطر على قسط كبير للغاية من الاقتصاد العالمي. وتدير الشركات الأموال التي تستثمرها مؤسسات كبيرة مثل صناديق التقاعد والأوقاف الجامعية وأيضا الشركات، وأيضا أموال المستثمرين الأفراد في بعض الحالات. وممتلكاتها هائلة. فشركة «بلاك روك» تدير ما يقرب من 10 تريليون دولار في الاستثمارات. وفانجارد تدير 8 تريليونات دولار وستيت ستريت تدير 4 تريليون دولار. ومجموع الأصول التي تديرها هذه الشركات والبالغة 22 تريليون دولار تزيد عن نصف القيمة المجمعة لجميع أسهم الشركات في مؤشر «ستاندرد آند بورز» 500 (وتبلغ قيمتها إجمالا نحو 38 تريليون دولار). ومن المتوقع أن يتزايد نفوذ الشركات الثلاث. وذكر تحليل نُشر في «مجلة القانون Law Review» التابعة لجامعة بوسطن عام 2019 أن الشركات الثلاث الكبرى قد تسيطر على ما يصل إلى 40% من أصوات المساهمين ستاندرد آند بورز في غضون عقدين. 
ما المشكلة في هذا؟ يجادل «راماسوامي» بأن القضية الرئيسية هي أن الشركات تستخدم ثقلها لدفع الشركات التي تمتلك فيها استثمارات كبيرة إلى تبني مواقف سياسية ليبرالية- مثل التركيز على تغير المناخ أو تحسين التنوع في قوتها العاملة. وهذا غير صحيح فيما اعتقد كما سأوضح هنا. فالخطر الحقيقي الذي تمثله الشركات الثلاث اقتصادي وليس سياسياً. والاقتصاد الأميركي يرزح أصلا تحت وطأة الاحتكار واحتكار القلة. وفي صناعات كثيرة، من شركات الطيران إلى الإعلان عبر الإنترنت إلى الرعاية الصحية إلى البنوك إلى مقدمي خدمات الهاتف المحمول، يتعامل الأميركيون مع بضع شركات فحسب. وكما جادل الصحفي ديفيد داين، يقلص هذا التركيز المتزايد في السوق اختيارات المستهلك ويرفع الأسعار ويرجح أنه يضر بالعمال. 
والشركات الثلاث مفيدة استثنائيا للمستثمرين، فقد خفضت صناديق المؤشرات للاستثمار السلبي كلفة الاستثمار وحسنت عوائد ملايين الأشخاص. لكن صعودها صاحبه تركيز مكثف في ملكية الشركات، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم كبير في تأثير احتكار القلة على الصناعات التي يحتكرها بالفعل قلة. وكتب «جون كوتس»، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، يقول إن نمو آلية الارتباط بين الأسعار وقيم الأصول، وصعود الشركات الثلاث الكبرى يعني أن عدداً قليلاً من الأشخاص في شركات الاستثمار سيتمتعون في المستقبل بسلطة على معظم الشركات الأميركية. وماذا يحدث عندما يتمتع عدد قليل من الناس بنفوذ كبير للغاية؟ يرى باحثون أن هذا المستوى من التركيز يقلص حوافز الشركات للتنافس مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، «فانجارد»، هي أكبر مساهم في كل من «فورد» و«جنرال موتورز»، فماذا تستفيد من المنافسة بين الاثنين؟ وإذا كانت كل شركة مملوكة للعدد الصغير نفسه من الأشخاص، فما الداعي للسعي لتحسين الأسعار والابتكارات والاستثمارات؟ 
وهناك بعض الأدلة على أن الملكية المركزة لهذه الشركات مرتبطة بانخفاض الأجور والتوظيف، وتؤدي بالفعل إلى زيادات في الأسعار في بعض الصناعات، مثل الطيران والعقاقير والسلع الاستهلاكية. وتجادل الشركات في هذا. ففي ورقة بحثية صدرت عام 2019، ذكر باحثون من «فانجارد» أنهم بعد فحص صناعات كثيرة على مدى فترة طويلة، «لم نجد دليلاً قاطعاً» على أن الملكية المشتركة أدت إلى أرباح أعلى. لكن إذا استمرت الشركات الثلاث الكبرى في النمو، ستتفاقم آثار ملكيتها المركزة. وكتب «أينر الهاج» من كلية الحقوق بجامعة هارفارد، أن الملكية المركزة «تشكل أكبر تهديد للمنافسة في عصرنا، والسبب الأساسي في هذا أنها مشكلة المنافسة الوحيدة التي لا نفعل شيئا حيالها». 
في أواخر عام 2018، قبل وفاته ببضعة أشهر، نشر «جون بوجل»، مؤسس شركة فانجارد الذي طور أول صندوق مؤشرات للمستثمرين الأفراد، مقالاً استثنائياً في صحيفة «وول ستريت جورنال» لتقييم تأثير مشوار حياته. وذكر أن صندوق المؤشرات أحدث ثورة في «وول ستريت»، لكنه تساءل قائلا: ما الذي سيحدث «إذا أصبح ناجحا للغاية ليعمل لمصلحته الخاصة؟» وأشار «بوجل» إلى أن إدارة الأصول هي نشاط الحجم الكبير، فكلما زادت الأموال التي تديرها «بلاك روك» و«فانجارد» و«ستيت ستريت»، كلما زادت قدرتها على خفض رسومها للمستثمرين. وهذا يجعل من الصعب على الشركات الجديدة دخول النشاط، مما يرجح أن تستمر سيطرة الشركات الثلاث الكبرى على السوق. وأكد بوجل في مقاله قائلا «لا أعتقد أن مثل هذا التركيز يخدم المصلحة الوطنية». 
وذكر بوجل عدة أفكار للحد من نفوذ هذه الشركات. على سبيل المثال، تستطيع الجهات التنظيمية منع صناديق المؤشرات من شغل مناصب كبيرة في أكثر من شركة واحدة في صناعة معينة. وينصح كوتس- الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد- صانعي السياسة بالتحرك بحذر لإدارة مخاطر التركيز دون الحد من الفوائد التي تعود على المستثمرين في شركات الصناديق المنخفضة في كلفة الاستثمار تلك. وكتب يقول «تحقيق التوازن الصحيح يتطلب بلا شك حسن التقدير والتجريب». 


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/05/12/opinion/vanguard-power-blackrock-state-street.html