أكدت زيارة رئيس الوزراء الهندي الأخيرة إلى أوروبا الاهتمام المتزايد بتعميق العلاقات مع أوروبا على الجانبين. فقد زار ناريندرا مودي كلاً من ألمانيا وفرنسا والدنمارك، الأسبوع الماضي، في وقت تجتاح فيه الحربُ الأوكرانيةُ وتداعياتُها أوروبا. كما تأتي الزيارة في وقت يشهد تركيزاً على الهند التي رفضت إدانة روسيا بشأن حرب أوكرانيا. وبينما توجد خلافات بين الهند والاتحاد الأوروبي حول هذه الحرب، أظهرت الزيارة أن التقارب طغى على الخلاف وأن هناك رغبة مشتركة في تعميق العلاقات.

ولم يكن ثمة شك في أن الدول الأوروبية ترحب بالزيارة وسط جهود لجذب الهند وتعميق التعاون بهدف تقليل اعتماد الهند على روسيا. في الدنمارك، حضر مودي القمة الثانية بين الهند ودول الشمال الأوروبي، والتي ركزت على الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء، وتغير المناخ، والطاقة المتجددة، والسيناريو المتطور للأمن العالمي. وشهدت القمة أيضاً مشاركةَ رؤساء وزراء الدنمارك وفنلندا وآيسلندا والنرويج والسويد. وكانت القمة الأولى قد عقدت بين الهند وبلدان الشمال في ستوكهولم في عام 2018.

وتطرقت القمة أيضاً إلى الحرب في أوكرانيا، وآثارها الإقليمية والعالمية الأوسع، حيث اتفق القادة على الاستمرار في المشاركة عن كثب في هذه القضية. وفي ألمانيا، التقى مودي مع المستشار الجديد، أولاف شولتز، الذي تولى المنصب في ديسمبر الماضي.

ودعت ألمانيا الهندَ إلى رئاسة مجموعة الدول السبع. ومع اتخاذ الهند وجهة نظر مختلفة عن أوروبا من خلال عدم إدانتها لروسيا بشكل مباشر، سيكون من المهم معرفة ما إذا كانت روسيا ستُدعى إلى قمة مجموعة السبع في يونيو المقبل. وتعد ألمانيا بلا شك أحد أهم شركاء الهند في أوروبا، وتربط الدولتان علاقات ثنائية وثيقة. فكلا البلدين مرتبطان في «شراكة استراتيجية» منذ مايو 2000. كما تولي نيودلهي أهميةً لألمانيا بالنظر إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه في الاتحاد الأوروبي. وفي ألمانيا، اتفق الجانبان أيضاً على تعزيز تجارة التكنولوجيا الفائقة، بما في ذلك السلع الدفاعية.

وفي زيارة مودي لفرنسا، كان الدفاع هو المجال الأهم الذي تناولته المحادثات. وقال رئيس الوزراء الهندي والرئيس الفرنسي، بعد محادثاتهما، في بيان مشترك، إن «الجانبين اتفقا على إيجاد طرق مبتكرة لمشاركة فرنسا بشكل أعمق» في تكنولوجيا الدفاع المتقدمة والتصنيع والتصدير». وبالفعل، اشترت الهند بالفعل طائرات مقاتلة وغواصات فرنسية من طراز «رافال» من فرنسا. وما تزال دول الاتحاد الأوروبي تسعى إلى تعميق علاقاتها مع الهند رغم وجود خلافات حول قضايا مثل حرب أوكرانيا. وقد اتخذت الهند، أثناء سعيها لإنهاء الحرب الحالية، موقفاً محايداً بشأن هذه الحرب، رافضةً إدانة روسيا بشكل صريح أو التصويت ضدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. والسبب الرئيسي لموقف نيودلهي هو التعاون الدفاعي مع موسكو، وهو أمر حاسم وسط مشاكل الحدود مع الصين وباكستان. ورغم أن الهند قامت في السنوات الأخيرة بتنويع مشترياتها من الأسلحة، فإن حوالي 70 في المئة من أسلحتها ما تزال من الطراز الروسي، وهي مستمرة في شراء الأسلحة الروسية بما فيها صواريخ «إس -400».

أحد الأسباب الرئيسية لجاذبية الأسلحة الروسية هو كونها أكثر فعالية من حيث التكلفة. في الماضي أيضاً، لم تكن الدول الغربية حريصة دائماً على مشاركة التكنولوجيا الحساسة أو ذات الاستخدام المزدوج مع الهند، على عكس روسيا التي شاركت كل شيء من تكنولوجيا الصواريخ إلى الغواصات النووية في علاقة دفاعية تعود إلى حقبة الحرب الباردة. وفي حين أن التعاون الدفاعي كان دائماً يمثل أولوية بالنسبة للهند، فقد ظل على رأس جدول الأعمال خلال الزيارة الأخيرة، حيث كانت نيودلهي تبذل كل الجهود لدفع برنامج «صنع في الهند» والمضي قدماً في التصنيع المحلي. وبالمثل، كان التعاون الدفاعي مهماً خلال الزيارات القادمة للقادة أيضاً.

كان هناك عدد كبير من الزيارات من العواصم الغربية التي كانت تهدف بوضوح إلى تشجيع الهند على تقليص علاقاتها مع روسيا في أعقاب الغزو. وفي الشهر الماضي، وافق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خلال زيارة إلى الهند، على الشراكة مع الهند في تكنولوجيا الطائرات المقاتلة الجديدة من بين أمور أخرى، وأعلن أيضاً عن منح الهند ترخيص تصدير عام مفتوح خاص بها «يقلل أوقات التسليم للمشتريات الدفاعية».

وتعد الولايات المتحدة بالفعل شريكاً دفاعياً مهماً، وقد عرضت على الهند المساعدةَ في تنويع وارداتها الدفاعية واقترحت تعزيز التشغيل البيني بين جيشي البلدين بشكل أكبر. وبالمثل خلال زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، شكلت الهند والاتحاد الأوروبي مجلساً للتجارة والتكنولوجيا لتعزيز تعاونهما. ليس هناك شك في أن الأمر بالنسبة للعواصم الغربية ليس مجرد مسألة استمالة الهند من أجل روسيا. فالهند هي أيضاً اقتصاد ناشئ وأحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، وفقاً لصندوق النقد الدولي. لذا ليس من المنطقي بالنسبة لأوروبا، خاصةً بعد مغادرة بريطانيا الاتحادَ الأوروبي، أن تبتعد عن الهند بسبب روسيا.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي