وصلت معدلات التضخم إلى مستويات عالية في فترة زمنية قصيرة نسبياً، وذلك لعدة أسباب سبق وأن أشرنا إليها، مما يتطلب اتخاذ إجراءات سريعة للحد منها، وبالأخص السعي لرفع معدلات أسعار الفائدة، وهو القرار الذي اتخذه بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي نهايةَ الأسبوع الماضي برفع أسعار الفائدة 0.5 نقطة، أو 50 نقطة أساس، كما كان متوقعاً على نطاق واسع.

وبحكم ارتباط العملات الخليجية بالدولار، لم يكن هناك بد من رفع أسعار الفائدة على العملات الخليجية بنفس النسبة المئوية، وهو ما أقدمت عليه البنوك المركزية في دول المجلس، علماً بأن مستويات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من بين الأدنى عالمياً، وتتمحور حول 3% كمتوسط لدول المجلس مقابل 7-10% في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وهو الأعلى هناك منذ أربعة عقود.

ونظراً لأهمية أسعار الفائدة وتداعياتها الافتصادية والمالية، فقد برزت العديدُ من التساؤلات حول انعكاس ذلك على الاقتصادات الخليجية، حيث سنحاول الإجابة عن البعض منها بصورة مختصرة على النحو الآتي: أولاً؛ يتمحور أهم استنتاج حول كون الاقتصادات الخليجية لن تتعرض للركود بسبب رفع أسعار الفائدة، على عكس الاقتصاد الأميركي والاقتصادات الأوروبية، إذ لم يستبعد البيت الأبيض حدوثَ مثل هذا الركود للاقتصاد الأميركي، كما أشار إلى ذلك جاريد بيرنستاين عضو مجلس المستشارين للرئيس الأميركي، وهو ما قد يعرِّض الاقتصاد هناك لخطر «الركود التضخمي» علماً بأن الاتحاد الأوروبي ما زال متردداً في رفع أسعار الفائدة على اليورو خوفاً من موجة ركود جديدة في ظل أزمة الطاقة التي يتعرَّض لها.

ثانياً؛ من المتوقع أن يجد هذا الإجراء انعكاسات له على البورصات العالمية التي تعرضت لانتكاسة الأسبوع الماضي. أما البورصات الخليجية فسوف تعاني بدورها من انخفاض أسعار أسهم الشركات المدرجة، فيما عدا البنوك. فالتوقعات تشير إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي سيقوم مرةً أخرى برفع أسعار الفائدة مرتين هذا العام بنسبة نصف نقطة في الصيف ونصف نقطة أخرى في الخريف، وهو ما سوف تجاريه البنوك المركزية الخليجية، بحيث ستصل أسعار الفائدة إلى نسب تجذب معها المزيد من الودائع، مما يعني أن أسعار أسهم البنوك الخليجية سوف ترتفع بفضل إمكانية تحقيق فوائد إضافية، كنتيجة لارتفاع أسعار الفائدة.

ثالثاً؛ سترتفع العملات الخليجية تجاه اليورو والجنيه الاسترليني، وهو ما يفترض أن يؤدي إلى انخفاض السلع الأوروبية في الأسواق الخليجية، فاليورو حالياً عند أدنى مستوياته ليصل إلى 1.05 مقابل الدولار، وفي نفس الوقت يشكل ذلك خبراً سعيدا للمصطافين من دول المجلس إلى الدول الأوروبية هذا العام، حيث سيحصلون على عملات أوروبية رخيصة، مقابل العملات الخليجية.

رابعاً؛ ستستفيد الأيدي العاملة الأجنبية في دول مجلس التعاون من ارتفاع قيمة العملات الخليجية، مقابل عملاتها الوطنية، وهو ما سيؤدي إلى إرسال المزيد من الأموال للخارج باستغلال أسعار الصرف الجديدة، مما يتطلب اتخاذ إجراءات تشجيعية لفتح المزيد من قنوات الاستثمار للعاملين في دول المجلس. خامساً؛ في حالة رفع أسعار الفائدة مرتين إضافيتين هذا العام، فإن أسعار صادرات السلع الخليجية سترتفع في الأسواق العالمية، مما قد يقلل من قدراتها التنافسية، مقابل انخفاض قيمة الواردات الخليجية، خصوصاً وأن دول الاتحاد الأوروبي والصين والهند تعتبر أهم الشركاء التجاريين لدول المجلس، مما سيؤدي إلى تعزيز الميزان التجاري لدول الخليج العربي.

ومن هنا نجد أن تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة متفاوتة بين تأثيراتها على الاقتصاد المحلي ككل من جهة، وعلى المستهلكين من جهة أخرى، مما يتطلب دراسةَ هذه التداعيات للاستفادة من إيجابياتها والتقليل من سلبياتها، كإمكانية تقديم الدعم للصادرات الخليجية لرفع قدراتها التنافسية في الأسواق الخارجية.

*خبير ومستشار اقتصادي