قد لا يلاحظ المرء ذلك بسبب الطريقة التي رفع بها التضخم والحروب والوباء أسعارَ الغذاء خلال السنوات الأخيرة، ولكن هزم شبح الجوع الذي قضّ مضجع البشرية لآلاف السنين أخذ يقترب من التحقق.

ففي البلدان ذات الدخل المتوسط، انخفض عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية بالربع تقريباً، أو ما يعادل 162 مليون نسمة، بين 2006 و2020. أي أكثر مما يكفي لتعويض زيادة الـ43 مليون المسجلة في البلدان ذات الدخل المنخفض، والتي يقع معظمها في أفريقيا جنوب الصحراء. وفي الصين، التي شهدت أكبر المجاعات في التاريخ، بات التقزم في الطفولة – الذي يُعد مؤشراً على سوء التغذية – في مستويات شبيهة بالولايات المتحدة الآن.

كما أن التحول كان دراماتيكياً في الهند أيضاً. ففي 2006، كانت أكثر من ثلث النساء يعانين من نقص الوزن. ولكن بحلول 2019، انخفض ذاك العدد بالنصف تقريباً. غير أن هناك اتجاهاً مقلقاً يحدث في خلفية تلك الأرقام. ذلك أن نسبة النساء الهنديات اللاتي كن يعانين من زيادة الوزن تضاعفت تقريباً أيضاً، لدرجة أنها باتت تصيب عدداً أكبر من النساء مقارنة مع نقص التغذية. والصورة نفسها تتكرر بين الرجال.

ففي البلدان متوسطة الدخل حيث تعيش ثلاثة أرباع البشرية، أخذ نقص التغذية يُستبدل بوباء السمنة الذي يزداد بسرعة، مع ما يصاحبه من مشاكل السمنة ومرض القلب وارتفاع الضغط الدموي. والحال أن العالم لم يعد العدة بعد للتعاطي مع هذه المشكلة الصاعدة. ففي مواجهة الجوع، توجد بنية تحتية عالمية أقيمت بشكل أو بآخر منذ الحرب العالمية الأولى، حين نظّم «هربرت هوفر» حملة طعام جماعية من أجل بلجيكا المحتلة. ولاحقاً، قام «برنامج الغذاء العالمي»، الذي يُعد الخليفة الرئيسي لذاك الجهد الإغاثي، بتوزيع 4.2 مليون طن متري من الغذاء في 2020. غير أننا لا نملك أي شيء من ذاك القبيل للتعاطي مع الوباء المقبل. نجاح العالم في تفادي الجوع كثيراً ما يُنظر إليه باعتباره تفنيداً لنظرية عالم الاقتصاد الإنجليزي توماس مالتوس المولود في القرن التاسع عشر، والذي اعتبر أن المجاعة الجماعية ستحدث حتما نتيجة ازدياد السكان بشكل أسرع من الإنتاج الزراعي.

والحال أن الارتفاع المتزايد للسمنة يمثل دليلاً على أن القيود على إنتاج الغذاء التي تحدّث عنها مالتوس أكثر تقييداً مما يعتقد الكثيرون منا. وإذا كانت البلدان النامية قد تمكنت من الحصول على تغذية إضافية لإطعام سكانها خلال العقود القليلة الماضية، فإن نسبة كبيرة جداً منها تأتي من السعرات الحرارية الأقل تكلفة – مثل الدهون والسكريات ومنتجات الحبوب. ذلك أن الطاقة في الخضروات ذات الأوراق الخضراء الداكنة، مثلاً، تكلّف نحو 29 مرة أكثر من تلك الموجودة في الدهون والزيوت، في حين أن السعرات الحرارية في الخضار الغنية بفيتامين أ مثل القرع أو المانجو تكلّف نحو 10 أضعاف ما يعادلها في السكر.

وفضلاً عن ذلك، فإن الكثير من البلدان التي تشكّل فيها الدهون المشبعة النسبةَ الأكبر من الطاقة المستهلَكة ليست هي البلدان الغنية، وإنما البلدان الفقيرة في جنوب شرق آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، والجزر الصغيرة. وما يحدث، في كل من البلدان الفقيرة والغنية، هو أن الناس يبحثون عن السعرات الحرارية الأدنى كلفة ليضيفوها إلى نظامهم الغذائي. وتلك السعرات الحرارية، في الغالب، ليست هي تلك التي تشكّل نظاماً غذائياً متوازناً – وإنما هي تلك التي يبدو أن عالمنا المحدود أقدر على توفيرها. ولكن التأثيرات واضحة جداً في تزايد مرض السكري. فقد تجاوزت بنغلاديش ومصر والمكسيك وباكستان الولايات المتحدة بخصوص انتشار هذا المرض.

وإذا كانت أسبابه ما زالت غير مفهومة بشكل كامل، فإن التحول إلى نمط حياة غني بالسعرات الحرارية وأقل حركة، ولا سيما بالنسبة للأشخاص الذين أصيبت أمهاتهم بمرض السكري أثناء الحمل، يُعد عاملاً مساعداً رئيسياً، وفقاً لبول زيمت، أستاذ مرض السكري بجامعة موناش في ملبورن. اليوم، يعيش العالم حالياً تحولاً مماثلاً لما شهده هذا الطبيب في أوائل السبعينيات، عندما عمل في جزيرة نورو الواقعة في المحيط الهادئ، التي كانت واحدة من أغنى البلدان بسبب طفرة في صادرات أسمدة الفوسفات.

ويقول «زيمت»: «كانت هناك ثروة مفاجئة جعلتهم في وضع حيث هناك الكثير من الغذاء ولكن القليل من حيث المرافق الرياضية». وكان «زيمت» قد سافر إلى الجزيرة على متن الطائرة الخاصة للرئيس لإجراء اختبارات، وبعد يوم واحد، اتضح أن ما بين 20% و30% من السكان مصابون بالسكري.

ويقول: «إن المال الذي كان لديهم أُنفق على الطعام والسيارات. إذ كان الناس يخرجون من متاجر البقالة بعربات محملة بالأرز ولحوم البقر المعلب». في حالة نورو، يمثّل ازدياد السكري عبر العالم نوعاً منحرفاً من قصص النجاح. إذا كنت تعاني من نقص التغذية في كبرك، فإن احتمالات إصابتك بالنوع الثاني من السكري أقل بكثير.

وإذا كنا نواجه تفشي مرض السكري الآن، فإن العالم كان ناجحاً بشكل مذهل في التحول من وضع ندرة الطعام إلى وضع الوفرة. ومع ارتفاع أسعار الغذاء إلى أعلى مستوياتها منذ 1990 على الأقل وفرض إندونيسيا حظراً على صادرات زيت النخيل من أجل تهدئة أسعار دهون الطهي، قد يبدو نقص التغذية المشكلة الأكثر إلحاحاً. غير أن السمنة ليست عدو الجوع بقدر ما هي صنوه: عرَضٌ آخر من أعراض عالم غير قادر على أن يوفّر لسكّانه التغذية التي يحتاجونها من أجل عيش حياة صحية. تهديد لن يزداد إلا خطورة خلال القادم من السنوات.

*كاتب متخصص في الطاقة والسلع.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»