لولا النِّفط لحلَ بالعِراق اليوم، مع كثافة العواصف التُّرابيَّة، عام «الرَّمادة» بالحجاز(18هج)، يوم «أصابت النَّاس مجاعةٌ شديدةٌ ولزْبة(ضيق)، وجذوب وقحوط»(الطَّبري، تاريخ الأُمم والملوك). زامنت «طاعون عمواس»، ولا أظن اقتران الشَّرين أقل فاجعةً مِن اقتران عواصف التُّراب والفساد الجارف بالعِراق. 
أصبح النِّفط بأيدي الترابيين، وأجد تذكرهم لولادة ومقتل عليّ بن أبي طالب(اغتيل: 40هج)، لافت النظر، مع التَّفاخر بكُنية أبي تراب، لكنهم ينظرون إليه ويحيون مناسبته «وفي العيونِ بريقٌ يخطف الذَّهبا». اشتقت الكُنية من التُّراب، وأتربَ: قلَّ ماله(القاموس المحيط)، ولحقت عليّاً لاضطجاعه على تُراب المسجد(ابن عبدالبرِّ، الاستيعاب). 
أما عن كونهم ترابيين تفاخراً بالانتماء لأبي تُراب، عبر فضائيات وقصور أبنية مغتصبة، تعود لـ«مجهول المالك»، والنِّفط أول المجهولات. سؤال: أكان عليٌّ يقرّ هذا الضَّرب مِن اللُّصوصيّة؟! وقد عاش مع خلفاء تدعون أنهم اغتصبوا حقّه بالخلافة؟! يأتي الجواب مِن بديع الزَّمان(ت:398هـ) كان فلان «سوسٌ لا يقع إلا في صوف الأَيتام، وجُرادٌ لا يَسْقُطُ إِلا على الزَّرع الحرام، ولصٌ لا يُنَقب إلا خِزانة الأَوقاف»(المقامات، النِّيسابورية). 
أقول: هل يُرجى أمل مِن أحزاب أعلنت: على العِراق دفع خسائر الحرب لإيران؟! علانيّةَ وتوريةً، حتّى صار النفط تُرمى منه حفنةً للعراقيين، ويُصرف على صولات ولاية الفقيه. ألم يقلها أمين «ذوبوا»: «جئناكِ يا بيروت جئناك يا صنعاء...»؟! وبأموال العِراق. أين صُرفت العوائد يوم صار البرميل بـ(150 دولاراً)، والعِراق يضخ أربعة ملايين برميل يومياً؟! ليُسأل عنها أمين الدَّعوة! 
لشدة عام «الرَّمادة» أوقف عمر بن الخطاب(اغتيل: 23هج)، حدّ السَّرقة قائلاً: «يهلك النَّاس على أنصاف بطونهم، فكيف نأمر بالقطع؟»(السَّرخسي، المبسوط). نرى عام رمادة العِراق فعلاً ليس للطبيعة شأن فيه، كيّ يقف القضاء المسيس عاجزاً أمام الفاسدين الكبار، فالطَّبيعة وهبته المحاسن كافة. 
يُذكر أنَّ قُريشياً مِن ثورة الزُّنج بالبصرة(255-270هج)، هرب إلى الصّين، وسمع مِن ملكها عبر التُّرجمان: إنَّ الأوسع «مُلكاً الذي يملك العِراق، لأنَّه في وسط الدُّنيا، والملوك مُحدقة به، ونجد اسمه عندنا ملك الملوك»(المسعوديّ، مروج الذَّهب). يُعرف المؤرخ الرَّجلَ: «مِن أبناء البصرة وأرباب النِّعم»(المصدر نفسه)! وتاريخ موقع العِراق ونعمائه لا يحتاج تفصيلاً، واليوم يأتي الذين يجري في دمائهم بغض العراق، يعتبرون لا وجود تاريخ له، أصحاب الإمبراطوريات الدِّينية والقوميَّة. 
كيف لبلدٍ عُرف بالماء يكون تراباً، فعواصف «الرَّمادة» تغطيه بالأتربة، وليس هناك بلدانٌ اشتهرت بالماء كماء العِراق وتحولت إلى صحارٍ، وبهذا الزَّمن القياسي كالعِراق، لكنْ انظروا إلى دول الصَّحاري، هل انقطع الماء العذب لحظةً عن بشرها وشجرها، مِن أقصاها إلى أقصاها؟ إذن العلة أنتم وليست الطبيعة. أما العِراق، كانت «مياه الأنهار مفترشة... فربما رأيت في مقدار رمية سهم عدداً من الأنهار صغاراً تجري في جميعها السّمَيْريات، ولكلِّ نهر اسم ينسب به صاحبه»(ابن حوقل، صورة الأرض). 

لشهرة العِراق بالماء سُئل النَّبيّ وصاحبه: «َمِمَّنْ أنتما؟ فقال: نحن مِن ماءٍ! ثم أنصرف عنه. قال: يقول الشّيخ: ما مِن ماءٍ؟ أمِنْ ماء العراق!»(الطَّبري، نفسه). أما أبو الحسن الهراسيّ(ت:504هج) فينشد: «اِرفق بعبدك إنَّ فيه فهامةً/ جبليةً ولكَ العراق وماؤها»(السُّبكي، طبقات الشَّافعيّة). 
إنَّ الحديثَ عن ماء العِراق طويلٌ، غير أنْ ما نُذَكّر به إلا رثاءً لبلد يتفنن التُّرابيون إيذائه، كرهاً لاسمه وأرضه، والعشرون سنةً كافية دليلاً! نعم، يبدو العِراق في عهد التَّرابيين تُراباً! 

كاتب عراقي