حين اجتمع خوان مارتين سالاس في الآونة الأخيرة مع زملائه المزارعين في منطقة بامباس الزراعية غرب العاصمة الأرجنتينية، كان هناك اتفاق آراء حول موسم الزراعة القادم. وتمثل هذا الاتفاق في زيادة المساحة المزروعة من القمح وتقليص المساحة المزروعة من فول الصويا والأهم من ذلك كله، زيادة المساحة المزروعة من دوار الشمس.

ويحدث تحول مماثل تجاه زيادة مساحة دوار الشمس في جميع أنحاء الأرجنتين- أحد أكبر منتجي الغذاء في العالم- حيث يتكيف المزارعون مع عواقب العماية العسكرية المدمرة روسيا على سلة خبز عالمية أخرى، أوكرانيا. لكن الشكوك تحوط مساعدة المزارعين الأرجنتينيين في التخفيف من أزمة الغذاء العالمية التي تفاقمت بسبب الحرب. فبعض المحللين يرون أن الإنتاج الزراعي مقيد بالفعل بسبب سياسات حكومة الأرجنتين. ويؤكد سالاس الذي لديه أرض زراعية مساحتها ثلاثة آلاف إكر من أخصب الأراضي في العالم أن تأثير الحرب على إنتاج دوار الشمس يمثل فرصة هائلة له كمزارع لأن «أوكرانيا وروسيا تشكلان معاً 80% من صادرات دوار الشمس.

الأرجنتين كانت ذات يوم منتجاً أكبر بكثير لدوار الشمس» الذي يُستخرج من بذوره زيت الطهي يعتبر عنصراً غذائياً أساسياً في أجزاء كثيرة من العالم. ومضى يقول إنه «يمكننا فعل ذلك مرة أخرى. والحقيقة أنه سيكون قراراً اقتصادياً براجماتياً لتعويض خسارة الإنتاج في أماكن أخرى، وكمزارعين فمهمتنا إنتاج الغذاء. ونحن سعداء بهذه المهمة لكن إدراكنا لهذا يجعلنا نشعر أيضاً بمسؤولية إطعام العالم».

والمزارعون الأرجنتينيون ليسوا مستجدين على إرسال إنتاجهم عبر المحيطات. ففي مطلع القرن العشرين، أصبحت الأرجنتين واحدة من أغنى دول العالم- وأصبحت بوينس آيريس عاصمة كوزموبوليتانية عظيمة - من خلال تصدير القمح ولحوم الأبقار إلى أوروبا.

لكن هناك عوامل يتوقف عليها إقدام الدولة التي أصبحت تُعرف بأنها «مخزن حبوب العالم» على إنتاج المزيد من الغذاء. ويرى خبراء زراعيون أن هذه الأسباب تتراوح من الارتفاع الصاروخي لأسعار الأسمدة إلى الإجراءات الحمائية الحكومية التي تستهدف تأمين الإمدادات الغذائية المحلية والحد من تضخم أسعار الغذاء. ويؤكد «جيدو دي أنيلو»، المحلل في «مجلس تجارة روساريو» غير الهادف للربح أن «مزارعي الأرجنتين قادرون على إنتاج المزيد ويريدون إنتاج المزيد، لكنني الآن أقول إن الكلمة الصحيحة لوصف الوضع هي عدم اليقين.

أسعار الأسمدة آخذة في الارتفاع مع انخفاض الإمدادات العالمية، ولا تزال الأسئلة مطروحة حول أمد ومقدار تأثير الحرب على الصادرات من أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى تأثير الإجراءات الحكومية المحلية على الصادرات» الزراعية. وأضاف «دي أنيلو»، الذي تعد روساريو التي يقيم فيها ثاني أكبر ميناء للصادرات الزراعية بعد نيو أورليانز «يدرك المزارعون انعدام الأمن الغذائي في العالم، لكن كل حالة عدم يقين تؤثر على قراراتهم الزراعية».

وحتى قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كان العالم يواجه انعدام أمن غذائي متزايد، وكان هذا يرجع في جانب منه إلى الجائحة. لكن الأمم المتحدة تحذر الآن من احتمال أن يواجه ملايين الأشخاص حول العالم الجوع بل والمجاعة في بعض الحالات نتيجة حرب بين اثنين من أكبر مصدري المواد الغذائية في العالم. وأعلنت الإدارة الأميركية في الأيام القليلة الماضية أنها ستستخدم، ولأول مرة منذ نحو عقد من الزمن، سلطة تمويل غذائي طارئ لتقديم مئات الملايين من الدولارات الإضافية لمحاربة ما تصفه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بأنه «مستويات تاريخية لانعدام الأمن الغذائي العالمي تفاقم نتيجة تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا على الإمدادات الغذائية العالمية».

وفي الأرجنتين، عبر عدد كبير من المزارعين عن استعدادهم ورغبتهم في المساعدة في تعويض الإمدادات الغذائية الضائعة. لكنهم أشاروا أيضاً إلى أنه في الوقت الذي يفكرون فيه في توفير سلال الخبز، تركز حكومة الرئيس «ألبرتو فرنانديث»، اهتمامها على خزائنها الفارغة. والحكومة الأرجنتينية تعاني من ضائقة مالية ومثقلة بالديون.

وركزت الحكومة في الأسابيع القليلة الماضية على القطاع الزراعي الحيوي للبلاد لزيادة الإيرادات من خلال زيادة الضرائب على الصادرات على بعض المنتجات الغذائية. وضرائب الصادرات، وأحياناً، القيود المفروضة على صادرات بعض المنتجات مثل لحوم الأبقار، ينظر أيضا إليها على أنها وسيلة لكبح التضخم الذي يبلغ معدله السنوي نحو 60%. والحكومة اليسارية التي قاعدتها السياسية تمتد وسط ناخبي الطبقة الوسطى والعاملة في المناطق الحضرية تعلن أنها تعمل على خفض الأسعار المحلية التي تضر بأواسط العائلات الأرجنتينية.

والأرجنتين ليست وحدها التي تلجأ إلى التدابير «الحمائية»، فهناك عشرات البلدان تتحرك للحد من صادرات الغذاء كرد على نقص الغذاء عالمياً. وحذرت منظمة التجارة العالمية في الأيام القليلة الماضية من أن قيود التصدير أدت بالفعل إلى تفاقم نقص الغذاء وارتفاع الأسعار عالمياً. وصرحت انجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، للصحفيين في واشنطن إنها تسعى بشدة لمنع الدول الأعضاء من فرض قيود على الصادرات وتضغط على منتجي الغذاء لتقاسم الفوائض مع العالم بدلاً من ذلك. لكنها عبرت عن أنها مازالت «قلقة للغاية بشأن أزمة الغذاء الوشيكة».

وخلصت دراسة حديثة إلى أنه إذا تلاشت القيود الحكومية سيرتفع إنتاج الأرجنتين الغذائي ما يصل إلى 40%. ويتردد صدى التقلبات في أسواق الغذاء العالمية والتدابير الحكومية المتخذة استجابةً لذلك عبر التجمعات الزراعية في الأرجنتين. وهذا تجلى في احتجاج المزارعين الذي نظم الشهر الماضي موكبا من الجرارات الزراعية وصل إلى بوابات قصر الرئاسة في بوينس آيرس.

وأكد داريو ماجي الذي ينتج لحوم الأبقار والخنازير والدجاج قائلاً: «دورنا كمزارعين هو إنتاج الغذاء، ولكن إذا كانت الحكومة تأخذ 60 بيزو من كل 100 بيزو أكسبها، سأصل إلى مرحلة لن أتمكن فيها من الإنتاج والعيش». وأضاف من فوق جراره الزراعي العتيق أمام قصر كاسا روسادا الرئاسي «نعلم حاجة العالم للطعام، ولكن إذا تعرضنا للخنق، لن نتمكن من الإنتاج».

* كاتب أميركي

 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور».